رحله الخمسه عشر يوما
( 3 )
السماء تمطر تعذيبا
معسكر "جوانتينامو" وفيلم "انا وخالتي"
بعدما مررنا بالمزدلفه وسط زحام شديد من الحجيج السائر علي قدميه ومن اتوبيسات الحج السياحي بكل جنسياتها ، وبعد صلاة المغرب والعشاء جمع وقصر بجوار الاتوبيس وبعد التزامنا الدقيق بالتعليمات الصارمه للمرشد السياحي بجمع الحصوات وبسرعه قبل اشتداد الزحام من التراب الملاصق للاتوبيس و....اجمعوا علي قد ماتقدروا وعدوا بعدين !!! بعد هذا كله ، عدنا للاتوبيس في طريقنا لمني ...
لن اتحدث عن الزحام المروع ، فالحجيج ينتشرون في الشوارع وامام الباصات ، سائرون علي اقدامهم نائمون علي الارض جالسون علي جانبي الطريق وبعضهم يفترش الارض ويلتحف بالسماء ويغط في نوم عميق بعد يوم طويل مجهد ، لماذا وقتها تذكرت نشرات الاخبار التي اقاطعها وقت تعرض ضحايا المذابح الجماعيه جثثا مسجاه في اكفانها ملقاه علي الارض ، هكذا كان الحجيج ، كثيرا منهم ينام علي الارض عاري البدن الا من ملابس الاحرام وكاننا نعيش موتا جماعيا فالابدان المسجاه حولنا علي الارض وفوق الارصفه وعلي الجبال وتحت الخيام وبجوار السيارات كثيرة وكاننا في مشهد الموت نعيشه ولانخاف منه ... ولله في ذلك الف حكمه !!!
وصلنا مني .... ووقف الاتوبيس خارج اسوارا عاليا وطلب منا نحمل اشيائنا وننزل ، سنسير للمعسكر علي الاقدام ، يبدو اننا وصلنا مبكرا ، تعجلنا الصلاة في المزدلفة واخترنا الحصوات بسرعه وسار قائد اتوبيسنا برعونه بين بقيه الاتوبيسات يسابق الزمن فوصلنا معسكر مني قبل الجميع ، المعسكر الكبير او المكان الذي يحيطه السور العالي خاليا الا من بعض الاشباح ، هي مدينه الاشباح اذن ، نسير بمشقه فالبدن مرهق والاحمال ثقيله ولم ننام منذ الفجر وعيوننا منهكه محمره من كثره البكاء في عرفات والصداع يقسم الجمجمه لفتافيت صغيره متناثره لاتفكر والمخ هلامي ضائع بين الشذرات المفتته ...و خطوه اثنين عشره عشرين ، اين مقر اقامتنا ، لسه شويه ، خطوه عشرين اربعين ، وصلنا ، لسه ، ابتسم رغم ارهاقي ، تطاردني الطفوله الكثيره وتذكره لعبه الاستغمايه وقررت اكرر سؤالي ، وصلنا ، لسه ، اضحك فتضحك رفيقاتي ، نهون علي انفسنا الطريق الطويل والاثقال وعضلات الكتف المشدوده المتوتره والاذرع الخدله ، وصلنا ، لسه ، لم اضحك هذه المره وانما جلست كالاطفال ابكي في منتصف الشارع ، مش ماشيه ، ضحكت رفيقات الطريق علي الحاجه الطفله التي جلست علي الارض ترفض السير ، لاحلول امامي الا استئناف السير ، فين المعسكر بتاعنا ، سبقني المرشد السياحي بخطوات كثيره لم يعد يسمع صوتي ولم يجيب علي سؤالي ، اجابت اكبرنا تصبرني ، حنمشي لغايه مانوصل ، اجابه مختصره واضحه سلسه سهله لم ترضيني ، مازالت اجلس علي الارض حرنانه مثل الاطفال ، مش ماشيه ، تقف النساء بجواري ، يعرضن علي يحملن حقائبي واحمالي ، ارفض بالطبع ، كل منهن اساسا تترنح تحت احمالها ، يالا بس شدي حيلك وقربنا نوصل ، واشد حيلي لكننا لا نصل للمكان ، مشينا قد ايه ، تنظر واحده خلفنا تبحث عن البوابه التي وقف الاتوبيس عندها لاتراها ، شكلنا مشينا كتير ، وبعد نصف ساعه من السير بخطوات ثقيله بطيئه وجسد ينتفض من الارهاق وعضلات تأن من ثقل الحقائب ، نصل لمكان يشبه الكبائن الخشبيه التي كانت علي كورنيش اسكندريه قديما ، او مثل كبائن راس البر في الافلام العربي الابيض والاسود ، والرصيف عالي ولايوجد سلم ، وهاتي ايديك ياحاجه و.... نقفز واحده تلو الاخري وننفجر في الضحك ، البدايه لاتطمئن !!!
سرنا في ممر ضيق ، لااعرفه عرضه ، فانا لاافهم في السنتيميرتات ، ربما ستين سنتي او خمسه وسبعين ، ممر ضيق تحيط به الابواب المغلقه يسارا ويمينا ، واتفضلوا ياحاجه ، ونتفضل ، عنبر طويل مستطيل ، فارغ الا من مقاعد اسفنجيه زرقاء ، تبدو متعبه قبلما نقترب منها ، يشرح لنا المرشد السياحي ، كل واحده تختار سرير ، لم نجد اسرة ، ايوه الكراسي الكحلي دي لما بتتفرد تبقي سراير ، وبسرعه نحدق في تلك المقاعد وعددها في العنبر ، خمسين مقعد ، خمسه وعشرين يسارا وخمسه وعشرين يمينا ، يانهار اسود ، نعم ، يانهار اسود ، سينام في هذا العنبر خمسين امرأه ، سنقضي معا ثلاث ليالي في مني !!!! لكن مجموعتنا السياحيه ثمانيه نساء فقط ، اذن سينام معنا اثنين واربعين امرأه اخري لانعرفها ، سنقضي جميعا ثلاث ايام ولياليهم في مني داخل هذا العنبر !!!! ونقرأ المستقبل ونرتبك ونصمت !!! وتضحك واحده وتقول ، ال وماكنش عاجبنا شرم الشيخ !!!
نختار المقاعد البعيده في عمق العنبر ، نتلاصق نحن النساء الثمانيه ، وننتظر بقيه النسوة اللاتي لم يصلن بعد لان الاتوبيسات التي تقلهن من عرفات لم تصل بعد بسبب الزحام الشديد !!! اين سنضع حقائبنا ، لااحد يرد ، هناك رف حديدي اعلي من رؤوسنا قليلا ، لابد انه مخصص للحقائب ، ننظر اليه بريبه سننام تحته محملا بالحقائب الثقيله ، لو سقط فوق رؤوسنا سيقتلنا !!! تقترح واحده نترك للرف الحديدي سيقاننا ليكسرها بدلا من رؤوسنا فيقتلنا ونضحك بصوت عالي لايتفق ووقار الحج !!! غريب هذا الضحك فعلا ، نضحك حيث لايوجد مبرر للضحك ، لكن الضحك وقتها يهون الصعوبات ويقتل الوقت ويبدد المخاوف !!! ونضحك اكثر واكثر !!!! نلقي حقائبنا الثقيله علي الرف الخشبي ونفرد المقاعد الزرقاء فاذا هي مراتب سميكه صلبه صنعت خصيصا لتكسير العمود الفقري واذا لم يتكسر عمودك الفقري بسبب صلابه المرتبه فالفواصل العرضيه الفارغه بين اجزاء المرتبه كفيله بكسر عمودك الفقري انت واللي يتشدد لك والامر لله في الاول وفي الاخر ....
نبحث عن الحمام ، تذهب اولنا وتعود مسرعه مكفهره ، ده مستحيل !!! ونضحك ،مستحيل ازاي ، ماينفعش يكون مستحيل ، لازم يكون مامستحيلش !!! ونذهب جماعه للحمام ، نسير طابور في الممر الضيق بين الابواب الاكرديونيه المغلقه ، نسير علي موكيت احمر من نسيج صناعي تحسه يكاد يشتعل تحت قدميك من الاحتكاك ، نصل للحمام ، نصعد السلمتين ، نفتح الستاره ، نقف مذهولين ، فعلا مستحيل !!! وننفجر في الضحك فتنظر لنا بعض النسوه العابسات بغضب ، لايجدوا لضحكنا مبرر ، لماذا تذكرت امي ، الضحك من غير سبب قله ادب ، استسمحها ، دي مش قله ادب والله ، احنا بنضحك علشان الدنيا تهون ، المح ابتسامه امي التي اطمنئت ان ابنتها الحاجه ليست قليله الادب !! والمستحيل من امامكم والعنبر من خلفكم ولله الامر من بعد ومن قبل !!!
المياه تجري علي بلاط الحمام ، فنرفع جلبياتنا عاليا ، لانعرف مصدر تلك المياه ، بعض الحمامات عباره عن كبائن مغلقه كمثل اكشاك الحراسه امام السفارات ، كبائن مثبته في الفضاء خلف الستاره ، بلا نور ، حين تغلق الباب عليك وانت بداخلها ، تشعر وكان داخل تابوت راسي ، ولاتري شيئا ، ربما هذه هي النعمه الوحيده ، انك لاتري شيئا ، تدخل وتنتهي من مأموريتك وتخرج لاتري شيئا .... ونلتقي ثانيه في بهو الحمام ونضحك ، نبحث عن الادشاش لنتحمم ، الدش داخل الكابينه المظلمه فوق السلطانيه ، والاستحمام من الوضع جالسا ، لو رفعت ذراعك ستكسر الكابينه ولو ابتعدت عن السلطانيه لن تجد مكان للحركه و.........الجيش بيقول اتصرف و"مني" ايضا !!!!
ونعود للعنبر الخالي الا منا وكل منا ترفع جلبابها عن الارض وتمسك بملابسها القذره في يدها واثر الحمام البارد علي وجوههنا لمعه ونظافه ومازلنا نضحك !!! وحتي تاتي بقيه النسوه سنسرق حلالا بضعه مراتب اخري لننام عليها ونلقي بدننا فوق المراتب الصلبه ونشعر الما كانها تضربنا و... بكره العيد ... وتغيب كل منا مع ذكرياتها ، البيت البنات الاهل الزوج الاخوه ، وتتوالي الذكريات ، اول مره اعيد بعيد عن جوزي ، اول مره اسيب عيالي لوحدهم ، اختي حتعزم عيالي علي الفته ، جوزي حياخد العيال وياكلوا بره ، نعم النسوه هن العمود الفقري للبيوت ، هن اللاتي يجهزن الفته وصواني الرقاق ويطشوا التقليه ويشوا اللحمه ويشتروا للابناء الهدوم الجديده وغشت علي ملامحنا جميعا سحابه حزن سريعه ، كلنا بعيد عن احبائنا يوم العيد و......... ماهو ياجماعه ماينفعش نحج في شم النسيم ، بصوت عالي تصيح احدانا تفوقنا ، كانها ترسل رسالتنا للعالم كله وبناتنا واولادنا واسرنا واحبائنا ، نحن نحج ولم نترككم عبثا او استهتارا وندرك ادراككم بغيابنا وغيابكم عنا يوجعنا اكثر لكن الحج مايفعش في شم النسيم و......... تزول سحابه الحزن ونضحك ، وتمسك كل منا تليفونها وتكلم احبائها وتتلون الوجوه بالشوق ونسمع عبارات التدليل للاطفال والافتقاد للازواج والحب للاباء والامهات ..
و......... كل سنه وكلنا طيبين ونتبادل المعايده وتتحلل اجسادنا المتعبه فوق المراتب الصلبه ونحاول ننام لكن كشافات النور الساطعه كمثل كشافات استاد ناصر وقت المباريات الليلة تسطع تحت جفوننا في عيوننا المغلقه تطرد النوم منها ، افتح عيني اري جارتي في المرتبه المجاورة لي ارقه لاتنام ، ابتسم لها تبتسم لي وتنصحني ، حاولي تنامي ، احاول وهي تحاول لكن النوم لايأتي و........ افتح عيني علي صوت اكبرنا ، قوموا نتوضوا علشان الفجر وادرك اني نمت فعلا لكنه النوم الذي لم يمنح جسدي الراحه !!!
افتح عيني فاري اجساد ملقاه فوق المراتب واسمع شخيرا لم اسمعه وانا نائمه واراي وجوها مرهقه علي الاجساد المتعبه ، لقد وصلت بعض النسوه للعنبر اثناء نومنا ، وقبلما نتحرك للوضوء ، يفتح باب العنبر عنوه ونحن عاريات الرأس وتدخل نسوه اخري واحده عشره ثمانيه عشر ، غاضبات ، خرجن من عرفات في التاسعه مساءا ووصلن مني قبل الفجر ، يبحثن عن فراشا مريح يعوض اجسادهم ضيق كراسي الاتوبيس ، لكن المراتب الزرقاء الصلبه تنتظرهن ، يلقين بحقائبهن ويسبقونا للحمام فنفاجيء كلنا بالمياه تجري علي الارض وعشرات النسوه يحتللن الحمام والطوابير علي التوابيت الرأسيه وعلي الحمامات العاديه وكل الاحواض محتله بمن تتوضأ ومن تغسل ملابسها ونسير علي اطراف اصابعنا نخاف التزحلق فوق السراميك اللامع ونخشي علي جلاليبنا البلل بالماء مجهول المصدر ونتوضا بسرعة ونخرج للصلاه ، لايوجد في العنبر مكان للصلاه ، كل واحده تصلي فوق مرتبتها ، وصارت المرتبه الزرقاء فراشا ودولابا ومكان الصلاة ، لايوجد زر لغلق الكهرباء ، لايوجد فيشه لشحن الموبيل ، لايوجد براد لنعمل شاي ، والعدد يزداد بالعنبر ونصلي ونستغفر ربنا عن تذمرنا ويفتح الباب عنوه وتدخل بضعه نساء اخري خلفهم رجل مجنون يتشاجر مع ذباب وجهه ومعنا ، يعد المراتب والنساء ويتهمنا جميعا بسرقه اماكن الاخريات وتترك سيده تخينه جدا المرتبه الثانيه التي كانت تمدد جسدها عليها وتتقوقع علي جنبها فوق المرتبه التي لاتكفي طفلا لينام عليه ، نطالبها بشفط بطنها وكتم انفاسها والانضباط العسكري فتضحك ونضحك وتقرر واحده تقيس عرض المرتبه ، شبرين وثلاث قراريط ، خسمين سنتي ، نعم كل واحده منا لها في " مني " خمسين سنتي بالتمام والكمال !!!!
ويحاول المطوف وشركه السياحه تعويضنا عن الخمسين سنتي بالاكل الكثير بسكويت حادق حلو ، منين ، فاكهه ، عصير ، برتقال ، ميه ، بيبسي ، كريم كراميل ، ايس كريم كونو ، سمك فيله ورز ، فراخ بانيه وبطاطس محمرة ، واشعر احساس البطه التي كانت ستي تقبض عليها وتزغطها بين ركبتيها ، مكاني علي المرتبه التي تكسر الضهر ، متربعه وركبتي فوق ركبه جارتي في الفراش وهي تضع ركبتها في بطن السيده التخينه التي تلقي ذراعها الكبير علي جارتها التي لانعرفها ، جميعنا اسري المراتب عليها ننام وناكل ونصلي ونضع ملابسنا وبجوارها سله قمامتنا الصغيره التي تمتلأ بسرعه بالزجاجات الفارغه وقشر الموز وقشر البرتقال يسقط منها علي الارض وفوق مراتبنا و........ الامر لله في الاول وفي الاخر ، منهم لله شركات السياحه والمطوف !!!
ومع لحظات النهار الاولي واليوم الاول للعيد وبعد رمي الجمره الاولي ، تدخل بقيه النساء والرجل المجنون الذي يتشاجر علي نفسه ويعد المراتب والنساء وبسرعه يكتمل عدد النساء في العنبر ، النساء القادمات بعد الفجر من عرفات يحلمن بالراحه والنوم ويحتجن الحمام للوضوء والصلاة ، لكن العنبر مكدس بالنساء لامكان للصلاة ، والحمام تسيل علي ارضه المياه وتقف النساء امام ابوابه بالطوابير و..... كل سنه وانتم طيبين .....
ننام قليلا ونستيقظ لنجدها التاسعه صباحا ، التليفونات من مصر لم توقظني ، افتح عيني واتمني اكون في بيتي فوق فراشي ، لكني مازلت فوق المرتبه الكحلي ورقبتي تؤلمني كان فيل وقف بقدمه المفلطحه علي فقراتها ، ارد علي ابنتي وزوجها بصوت سخيف ، تسالني ابنتي عن حالي يوم العيد ، يتحشرج صوتي بالبكاء رغم انفي ، كويسه قوي ، صوتي كاذب بدرجه فاضحه ، انهي المكالمه بسرعه واعدها اكلمها ثانيه بعدما استيقظ تماما من النوم ، هل الكذب عليها واخبارها اني كويسه يفسد الحج والاحرام ؟؟؟؟ لااظن هذا ، انتبه ان كل الامهات تكذب علي ابنائهن وازواجهن ، احنا كويسين قوي ، اضحك فتضحك جارتي فتضحك النسوه جميعا ، نلقي الموبيلات بعيدا ونضحك لاننا مش كويسين ولا حاجه !!!! ويارب هون !!!!
لماذا يغدق علينا المطوف بكل تلك المأكولات اذا كانت الحمامات بتلك الدرجه من السوء ، نقرر التوقف عن الاكل ، تذهب احدانا للحمام وتعود تبشرنا بان الحمامات اتسدت والعمال بيسلكوا في الماسورة والارض قذره وعليها .......... و .......... ولاتشرح لكننا نفهم وتلمع الدموع في عيوننا ، وبعدين ، ولا قبلين !!!! ونذهب للوضوء قبل صلاه الضهر ، الحمام كمثل زنقه الستات ، نساء من كل الاصناف والاشكال والاعمار ، الاحواض قذره والمياه تسيل علي الارض لاانظر اليها ، لااحدق في تفاصيل الاشياء التي تعوم وسط مائها ، اقف في الطابور امام التابوت الرأٍسي ، الشمس في منتصف النهار حارقه تثقب رأسي باشعتها اللاهبه ، ادخل التابوت واخرج لااعرف مالذي فعلته بالضبط ، لااري شيئا بتوفيق ربي ، اقف امام حوض تنشر عليه واحده من النسوه ملابسها الداخليه ، تحذرني ، ماتطرطيش ميه علشان الهدوم ما تتبلش ، راسي خدره من الشمس وضغطي ينخفض بسرعه ، لااسمع صوتها جيدا ولا ارد عليها ، استعمل اقل كميه من المياه واتوضء واخرج بحرص شديد ، تقع احد النساء التخينات فوق الارض ، يانهار اسود ، يتسخ جلبابها الابيض ، السلمه تخبطها في ظهرها تؤلمها ، احاول رفعها من علي الارض بحرص الا تقترب ملابسي النظيفه من جلبابها ، افشل ، تحتاج عشره نسوه لرفعها من الارض ، اتركها حزينه افكر في المطوف وشركات السياحه ومافعلوه فينا !!!
اعود للعنبر ، افتح الباب ، المح شابوره فوق رؤوس النسوه ، انفاسهم وسخونه اجسادهن وسخونه الكشاف والتكييف البايظ ، كل هذا افرز شبوره فوق الرؤوس ، ادخل لمرتبتي علي اطراف اصابعي ، اترنح بين اجساد النسوه والحقائب وسلال القمامه ، اكاد اسقط اكثر من مره ، اتوازن واكاد اسقط ثانيه ، اصل لمرتبتي ، اصلي ، وسبحان ربي الاعلي سبحان ربي الاعلي سبحان ربي الاعلي ، ولاارفع راسي من الارض ، وكان الارض قبضت علي راسي لاتتركني ارفعها ، واسمع اصوات بعيده وماء بارد ينسكب علي راسي ودموعي تنهمر فوق وجهي ، لقد فقدت الوعي لبرهه ، افيق وابكي واكمل الصلاة واتمني الرجوع للفندق وحمامه الصغير وغرفتنا الرابعيه واكره المطوف وشركه السياحه ولاارد علي التليفونات القادمه من مصر ، فقدرتي علي الكذب انهارت مع ضغطي الواطي ولن ازعجهم بحالي ولن اقول لهم اني كويسه قوي لان نبراتي الكاذبه ستفضحني !!!
تدخل احدي النسوه العنبر صارخه ، اكتشفت عنبر مجاور تنام فيه اربعه نساء ولهن حمام خاص !!!!!
ينادي زوج علي زوجته المعتقله معنا ويخبرها ان احدهم قال له ان شركه السياحه خصصت له غرفه مستقله مع زوجته ولهم حمام خاص واخبرها انهم سيتخانق مع شركه السياحه وقت يعود للقاهره !!!
وادركنا ان شركه السياحه التي نظمت رحلتنا سرقتنا ، اخذت نقودنا وكدستنا كالسجينات في عنبر كبير وحاولت تصالحنا بالموز والبرتقال واهانت انسانيتنا بتلك الاقامه المستحيله والحمامات المسدوده !!!
وفكرت واحده تتمشي خارج العنبر وسرعان ماعادت بوجه محتقن من اثر الشمس اللاهبه التي ترسل اشعتها الحارقه علي الموكيت الاحمر تكاد تشعل حريقا يسبب كارثه ، نعم فالممرات التي تتوسط العنابر بلا سقف والشمس تحرق الرؤوس وليس امامنا الا المراتب الزرقاء !!!
ووزعوا علينا وجبه الغذاء يوم العيد فراخ بانيه ، شممناها وتحسرنا علي الفته والريش وصواني الرقاق التي كنا نصنعها في بيوتنا وعافتها الانفس المسدوده من كتر اكل البرتقال والموز وبسبب الحمامات المسدوده والمجاري الطافحه !!!
واكتشفت واحده منا ان اي منا لم تمسك مصحفها وتقرأ حرف منذ لحظه وصلنا لعنبر جونتينامو الذي نعيش فيه خمسين سيده معا علي المراتب الزرقاء !!! نعم نصلي بالعافيه ونتوضا بصعوبه وناكل بلا نفس ونشرب الشاي بارد وموبيلاتنا فصلت لعدم وجود فيش كهربائيه لشحن بطارياتها وننام طيله اليوم نهارا وليلا تحت الكشافات الساطعه وناكل حيث ننام وننام حيث نصلي ونرمي الزائد من اجسادنا علي اجساد الجارات التي ترمي بقيه اجسادها علي اجساد الجارات حتي تلقي الاخيره بجسدها تحت الديب فريزر !!!
وفجأ ، انفجرت في الضحك ، وشاركتني الصديقات دون تسالني عن السبب ، فالاعصاب الملتهبه والحر والرطوبه والروائح الادميه المختلفه التي تملأ الحجره فكت الاعصاب فاخذنا نضحك ونضحك دون سبب وتذكرنا رحله الاقصر واسوان وعنابر النوم التي كنا نتكدس فيها ونرقص كل ليله قبل ننام ، وتذكرنا فيلم انا وخالتي وانتظرنا محمد هنيدي يدخل علينا من باب العنبر يغني " ياي ياي ياي ياي " وضاعت الرحله الروحانيه والاحاسيس الايمانيه الجميلة التي ملئت نفوسنا وارواحنا وقلوبنا وقت غادرنا جبل عرفه مستشعرين غفران ذنوبنا وعودتنا كالصفحات البيضاء وقت ولدتنا امهاتنا !!! وصرخت واحده من الغاضبات ، ياحاجه انتي وهي اذكروا الله !! ونصرخ وكاننا نستغيث بالله جل شأنه ، لااله الا الله و............. منه لله المطوف وشركه السياحه افقدونا ادميتنا فنسينا ماجئنا من اجله وتحورنا لكائنات تحاول الحياه بصرف النظر عن المشاعر والاحاسيس والايمان !!!!
نعم ..... " مني " التي كنا نعيش فيها وعنبر المسجونات وتعذيب جوانتينامو والحمامات المسدوده والشمس اللاهبه والتكييف المعطل والكشاف الساطع في حدقات عيوننا ليل نهار والاكل مكان النوم والنوم علي السنتيمترات الخمسين والصلاة بجوار سلال القمامه والسير علي السيراميك اللامع علي اطراف الاصابع والتوابيت الرأٍسيه التي ندخلها لنرتاح فلانري شيئا ونخرج منها معذبات من الحر والرطوبه والروائح العطنه الرابضه علي جدرانها ، كل هذا افقدنا الحاله الايمانيه الروحانيه التي كانت تسكننا .... وياايها المطوف وياشركه السياحه لانطلب مراجيح وشازلونجات ونخل احمر ساطع وخادمه ماليزيه مستفزه ، لكن في نفس الوقت لن نقبل اهانه ادميتنا وكرامتنا وانسانيتنا بالحمامات المسدوده والمراتب الزرقاء و.............. وساغادر "مني" .... لن ابيت هناك ليلة ثانيه ، اشتاق للنضافه ولمصحفي وللصلاه بتقوي ، ووكلت احد الاصدقاء ليرمي لي الجمرات وقررت نهائيا ساغادر "مني" واعود للفندق اتحمم وانام علي فراش ادمي عرضه تسعين سنتي واعود في اليوم التالي وهكذا ........... وخرجت احمل حقائبي في الواحده صباحا برفقه بعض الرجال ابحث عن وسيله مواصلات اركبها لمكه .......... وهذه قصه اخري !!!! وتودعني بقيه السجينات اللاتي لايملكن قرارا فرديا للرحيل فهذه تنتظر اذن زوجها وهذه ابنها يرفض بهدلتها بين مني ومكه و....... افكر ، هل ابحث عن الرفاهيه لذا استعصت علي الاقامه في "مني" ، وبسرعه نفيت ذلك الهاجس ، فاحترام الادميه وتوفير الاحتياجات الانسانيه الضروريه بطريقه لائقه كريمه ليس رفاهيه !!!
وغادرت " مني " !!!!!!