صورة الحرق بعد التنظيف الثاني
علي يد الدكتور البارع كريم رفله
صباح الجمعه النهار اللاحق للحادث
( 1 )
لاتسألوني كيف ماحدث ؟؟؟
ساجيبكم الاجابه التي لاتقنع احد ولا ترضيه ، حلقت كنكه
القهوه النحاسيه بسائلها المنصهر المغلي ممزوجا بذرات البن السائله في الماء
المتقد ، حلقت والقت بسائلها فوق فخدي !!! نعم هذا ماحدث ، حلقت الكنكة وكأنها
تقصدني ، ربما لو كنت تحركت يسارا او يمينا لسارت خلفت تجذبني من تلابيبي لتلقي
بنارها السائله فوقي وكأنها كمثل صواريخ عابره القارات الموجهه الكترونيا من حاملات
الطائرات الاستعماريه علي شطآننا ...
هذا ماحدث ، واقسم عليه ، لكن احد لايصدقني ..
والقصه بدأت وقتما قررت في امسيه حانية ليله خميس اخر
ايام اسبوع اجازه العيد ، قررت استعيد مذاق فنجان القهوة التي كانت تصنعه جدتي
ببراعتها وحبها علي السبرتاية النحاس ، قررت استعيد مذاق الحنين لزمن ولي وترك
نسيمه يؤنسنا ، ورغم ان ماكينه " الاكسبرسو " بجواري وكبسولاتها فيها
وضغطه زر واحده تملأ الفنجان بالقهوه الفرنسيه التي احبها ، الا انني قررت في
مخبئي الملون الذي احتمي فيه من الوحشه ، غرفه معيشتي الصغيره المطله علي حديقه
الجيران المعتني بها لتمتعني انا في الاساس حيث انا التي اطل عليها واستمتع
بجمالها ، قررت في مخبئي الملون ومن فوق كنبتي الدافئه استحضر روح جدتي وسبرتاية
القهوه النحاس واصنع لنفسي فنجان قهوه بمزاج مصري قديم في التاسعه مساءا ، اليوم
وطيله الثلاث اسابيع الماضيه منذ لحظه الحرق ، اسال نفسي متي شربت في سنوات حياتي
الاخيره القريبه ربما العشره الاخيره او اكثر ، متي شربت فنجان قهوه في التاسعه
مساءا ، فلااجد اجابه ، ابدا لم يحدث ، فالفنجان الاخير الذي احتسيه عاده يكون في
الرابعه ، لماذا ذلك اليوم في التاسعه مساءا ، لااعرف ، ربما هي ساعه القدر التي
كان يتعين علي اتحرك صوبها لاعيش ماعشته ..
وملئت الكنكه النحاسيه بفنجان صغير من الماء البارد ،
نعم مجرد فنجان صغير لااكثر ولااقل ، من رأي الحرق ومساحته والجرح واثره تصور خزان
صلب منصهر انسكب فوقي وتمادي احد الاصدقاء وسألني عما اذا القي علي فخدي دفقه
نابالم واقسمت ابله لولو انه حرق من حلة زيت مغلي ، مجرد فنجان صغير لااحد يصدق
ابدا ، من هول ماشاهدوه وشكل الحرق وطبيعته ، اؤكد ، انه مجرد فنجان صغير عايرته في الكنكه النحاسيه
، وكان يكفي ليرسم ملامح الحادث الموجع المأسوي بعصاره البن المنصهر الذي غلي فيه
وفارت مراجله حتي صار صلبا منصهرا يلتهمني لحما وجلدا مثلما فعل وينهش روحي
ويغتالتي الف مره في الثوان التي لامس فيها جسدي مثلما فعل ....
دعوني احكي لكم عن الكنكه النحاسيه ، احد ادوات القدر
لصنع اللحظه الغريبه التي عشتها والتي صرت بعدها غير ماكنت قبلها ...
لا دعوي احكي لكم من البدايه ، عن السبرتايه النحاس ،
اشتريتها وانا اجلس امام الجزار اذبح ماساتصدق به علي اهل لله ، مال الله لله ،
اجلس امام محل الجزار في الشارع اسلي نفسي بالفرجه علي المحلات المحيطه به انتظر
الجزار يفرغ من عمله حتي اجهز اللحم للتوزيع علي اصحاب النصيب ، شاهدت محل صغير
لبيع الادوات المنزليه ، وكعادتي عبرت الشارع الصغير ودخلت اشاهد مايعرضه ، ادخله
كل عام في يوم الذبح وفقه العيد الكبير ، اشتري منه بعض الاشياء التي بحق لاتلزمني
، لكني اخاف كسره نفسه بعدما اعتاد زيارتي السنويه ، في ذلك اليوم ، لمحت
السبرتايه النحاس راقده فوق صينيه نحاس صغيره ، استدعت لذاكرتي جدتي العجوز فوق
الكنبه الخشبيه في شرفه منزلنا الريفي ، تجلس متكئه علي ركبتيها وامامها منضده
منخفضه والسبرتايه وتفوح رائحه البن والبهجه في الشرفه والعالم كله ، ابتسمت
واحسست وكأن جدتي تحرضني علي شراء السبرتايه ، اشتريتها بمنتهي السعاده ، هي
والصينيه الموشاه بمنممات نحاسيه بديعه ، اشتريت معهما كنكتين نحاستين صغيرتين ،
لم يعجباني ، اشرب القهوه مغليه وتحتاج كنكه كبيره لتغلي براحتها ، اشترتيهما
مؤقتا واضمرت النيه للبحث عن اخري كبيرة تمنحني فنجان القهوه الذي احلم به ....
في ذلك اليوم صنعت قهوتي الاولي علي السبرتاية ، لم
تسعدني ، الكنكه صغيره ولم تترك مجالا للقهوه لتغلي وتفور ، تكاد تنسكب تطفيء
السبرتايه ووهجها الحميم الصغير ، شربت الفنجان الاول وانا امضغ ذرات وجه القهوه
السميك تحت اسناني ولاتعجبني ، ارغب في شراء كنكه كبيره ، اعاير فيها الفنجان
واتركه يغلي ويغلي حتي يتلاشي وجه القهوه وتذوب الذرات الصغيره وسط القهوه المغليه
لتصبح بالمذاق الذي ارغب فيه ، لكننا في اجازه العيد والمحلات اغلقت ووقتي مشغول
بما هو اهم من البحث عن محل صغير فتحه صاحبه انتظارا لرزق مفاجيء نهار العيد ،
وتأجلت رغبتي المحمومه في فنجان القهوه كما تصنعه جدتي .....
مرت ايام الاجازه وانا احدق في السبرتايه اعدها بكنكه
كبيره لننفذ مشروع بهجتنا الصغير ، اتصلت بابله لولو لاسالها عن المحل الصغير اسفل
بيتها وعما اذا كان لديه الكنكه الكبيره التي ابحث عنها ، ضحكت واكدت لي انها لم
تجده عنده وانها ستبحث عنها في محلات اخري وانها لم تنساني ولن ، استعجلتها والنبي
ياابله وعدتني تبذل قصار جهدها وظللت انتظر ...
قضيت ايام الاجازه اقابل اصدقاء قدامي باعدت بيننا
الايام ، كنت اخرج سعيده واعود منزلي سعيده مغموره بدفءالاصدقاء وونس الحنين
القديم ، واعيد ترتيب جدولي واقدم المواعيد واخرها والتقي بالاصدقاء الواحد تلو
الاخر واعود بيتي سعيده لان تلك الاجازه سمحت لي بما كنت اتمناه منذ زمن ولم افعله
...
سافرت لمها عباسي بعدما اجرت عمليتها ، يومها كتبت علي
الفيس بوك ربنا يكفينا شر المستخبي ، مها عملت عمليه مفاجئه وصدمت وصدمنا ، كتبت
ايضا وانا ادعو لمها وليس لنفسي ، الهم اني لااسالك رد القضاء ولكني اسالك اللطف
فيه ، كنت ادعو لي ولها وانا لااعرف ، احيانا بعض العبارات تتقافز لعقلك ورأسك
وقلمك وهي تخصك وانت لاتعرف ، طبعا لاتعرف ، لانك لاتعرف مالذي ستعيشه بعد ثانيه
واحده ، وهل عباراتك التي كتبتها منذ دقيقه هي التي تصف ماعشته بعد تلك الثانيه ،
انها طلاسم الغيب واقداره المحجوبه عن وعينا وادراكنا لحكمه تستعصي علي الادراك ،
المهم ، كنت ادعو لمها لكن ربنا استجاب الدعاء لي ولها ولطف بنا كما ادركت بعد ذلك
، المهم ، قررت اسافر لمها حيث تسكن خارج القاهره ، السائق بلطج في الاجازه فاجلت
السفر يوما وسافرت وضحكنا وصبرتها علي المها ووعدتها بزيارات كثيرة ، للاسف لم
اصدق وعدي ، فبعد يومين اصابني مااصابني وتبادلنا التليفونات نضحك ونبكي علي
اصواتنا المكسوره بالوجع ونقوي بعضنا البعض بالامل الذي تتشبث به كل منا ...
اسبوع العيد واجازته اوشكت تنتهي ، ومازلت لم اشتري
الكنكه التي ستمنحني فنجان القهوة الذي احلم به ، زرت صديقه يوم الاثنين ، تغذيت
معها ، نمت علي كنبه الانتريه امام التلفزيون ، ايقظتني علي رائحه بن محوج جميل ،
فتحت عيني علي صينيه منمقه فوقها كنكه قهوه انيقه كبيره واسعه ، ابتسمت ، اخيرا
عثرت علي ضالتي المفقوده ، عايزه الكنكه ، عيني !!!!
عدت منزلي ومر يوم واثنين وثلاث وصرنا الخميس ولم ترسل
الكنكة ، اتصلت بها الومها ، اكدت لي انه لديها طاقم جديد من الكنك وتبحث عنه
لتمنحنه لي هديه بدلا من التي تستعملها ، نهرتها ضاحكه ، لا بقي ياستي هي دي اللي
انا عايزاها ، وسأمر عليك لاخذها ...............
قضيت نهار الخميس سعيده مع اصدقاء نضحك ونتذكر الماضي
ونحلم بالمستقبل القريب متفائلين وشربنا شاي وقهوه وحاجه ساقعه وحاجه سخنه والوقت
مر سريعا وساعود منزلي بعدما اصروا علي دعوتي علي الغداء ، لكني مرهقه ارغب في
التخفف من ملابس الخروج وارتداء ثوب بيتي مريح في اخر ايام الاجازه واسمع قائمه
اغنياتي المفضلة ... اتصلت بصديقتي لاحضار الكنكه وافقتني ، صعدت منزلها لالتقطها
واعود بيتي مسرعه ، صممت وامسكت في علي الغداء ، اغرتني بالنوم الرائع علي كنبه
الليفنج المريحه ، رفضت بكل اصرار ، تغذيت بسرعه وانا احلم بالمخبأ الملون
والملابس المريحه والنوم و............ نزلت من عندها احتضن ثلاث كنكات كبار
للقهوه وعدت منزلي بسرعه وخلعت ملابسي وارتديت بنطال منزلي قطن مريح وتيشيرت واسعه
و........... القيت جسدي علي الكنبه في مخبأي الملون ونمت احلم احلام ملونه سعيده
، استحلب لحظات السعاده طيله الاسبوع ولقاءات الاصدقاء والفرحه المؤجله
و.................. استيقظت في التاسعه ، البيت صامت هاديء وقائمه الاغاني تنتهي
وتبدأ ، اتصلت بابنتي لاطمئن عليها ، اخبرتني انها في طريقها للمنزل هي وابنها ،
خمسه دقائق وتصل ، فتحت الفيس بوك وبسرعه خرجت منه ، قررت اصنع فنجان القهوه الذي
حلمت به ، رتبت المنضده التي ساصنع عليها القهوه ، وسعت مكان للصينيه النحاس ،
اتيت بفنجان ابيض منقوش عليه رسومات زرقاء ، صيني قديم ، نعم ، هو الذي سيمنحني
الروح التي اتوق اليها ، و.......... عايرت الماء في الكنكه والبن المحوج وابتسامه
سعيده و........ اقلب في القهوه وتدور المعلقه وتدور ، والقهوه تغلي وارفعها من
علي السبرتايه حتي تهدأ واعود بها لتكمل غليانها و........... تركت الكنكه علي
السبرتايه مستعده بكل وجداني للفنجان الموعود ...
اين كنت وقتها بالضبط ، كنت علي الكنبه جالسه والمنضده
امامي عليها السبرتايه والكنكة و.......................................... حلقت
الكنكه والقت سائلها المشتعل علي فخدي !!!!
( 2 )
يظن كل منا انه يعرف الالم ، بل يعرف الالم الشديد ،
ربما اشد الم تعرفه واعرفه وقتما " ينقح " عليك ضرسك وتشعر ان ريقك
والهواء البارد يرجفا اعصابك المكشوفه ، ربما اشد الم اعرفه وقتما تحمست لتقطيع
رغيف خبز كبير بسكينه المطبخ ففلتت السكينه ونزلت فوق ظافر اصبعي الاكبر قسمته
نصفين باللحم ، يومها احسست السكين يمزق عيني والدماء تتطاير فيها ، هذا ماكنت
اظنه اشد واقسي انواع الالم ، ربما الالم الذي عصف بي وقتما كسرت ساقي ثلاث قطع
واخترق عظمها لحمي المهتريء وانسكب النخاع الشوكي بجواري ملقاه لاحيله لي اصرخ لان
الالم يحطم رأسي وجسدي بقطاره المسرع ، ربما اشد انواع الالم هو الذي احسسته و
رحمي ينقبض يخرج ابنتاي للحياه ، يومها كنت اصرخ واعض في يد امي واتشال واتهبد فوق
السرير اتمني اي شيء ينقذني من هذا الالم ، ربما الم عقله اصبعي المحشوره بين باب
السياره وجسدها وانا حتي عاجزه عن الصراخ اشكو لان روحي مخنوقه الما في حلقي .....
هذا ماكنت اظنه الالم!!!!
لكن الثانيه التي حلقت فيها كنكه القهوه وطارت والقت
سائلها المنصهر فوق فخذي ليمتصه بكل نقطه صغيره البنطال القطن الذي ارتديه ويطبعه
بمنتهي التوحش فوق فخدي ، هذه الثانيه عرفت فيها شيء لااعرف كيف اصفه ، الحقيقه
طوال الثلاث اسابيع التي مرت علي لحظة القدر ، فكرت كثيرا ابحث عن مفردات في اللغه
تمنحني ثقه توصيل المعني للقاريء الذي ساكتب له الحكايه ، بحثت كثيرا وفشلت اكثر ،
لاتعرف اللغه التي نتكلمها ونتواصل بها مفردات تصف مااحسست به ، هو احساس بحق
لايوصف ، ربما احد مما مر عليهم هذا الاحساس لم يفكر يصفه بالكلمات ، ربما اكتفي
بالكلمات البليده التي نعبر بما عما لايجوز التعبير بها عنه ، وجع الم نقح للتعبير
عن ذلك الذي لايوصف ....
نعم ، في تلك الثانيه احسست بما لايوصف ، احسست ان شيء
رطم اعصابي ومزقها ونهش لحمي بقسوه ومزقه ، احسست ان فجوه في روحي فتحت القي فيها
شيء لااعرف وصفه ارتطم بقمه وعيي خدره ايقظه افسده كتم صوتي اطلقه ، كل مااعرفه
انه كان الم احمر ، نعم احمر قاني نار ، تصورت مع الارتطام الاول لذلك السائل
المنصهر علي فخذي ان روحي تتأرجح وكأنها لحظه الرحيل كأنها اوشكت تقفز من شفتاي
ولاتعود ثم شهقت شهقه كبيره عميقه وعادت مكانها وليس بمكانها ، الم احمر نهش
انيابه اللاهبه في لحمي ، كل مااحكيه ربما ثانيه او ثانتين ، لحظه انتباه الوعي ان
القهوه المغليه سقطت فوق جسدي ، لم افكر طبعا ولم اكن املك قدره علي التفكير كيف
حدث ماحدث ، ربما كنت مازلت مذهوله وحدقتاي مفتوحتان وكاني مازلت اتأمل الثانيه
التي حلقت فيها الكنكه مصوبه نيرانها فوق فخذي ، نعم اؤكد لكم اني في تلك الثانيه
او الربع ثانيه ، كنت احدق مدهوشه لااصدق مالذي سيحدث ، ربما فكرت اتحرك بعيدا من
مصب لهبها ، لكن الوقت لم يسعفني ، بل ربما عقلي تجمد فلم يسعفني ايضا ، هي ثانيه
طارت الكنكه وسقطت وانا ملتصقه مكاني لااصدق مايحدث وعيناي مفتوحه بلا بصر كأن اخر
خارجي يري المشهد ويتمني يصرخ في لاجري لكن صوته خنق من كثره الفزع ، الم احمر هذا
مااحسست به ، صار العالم كله احمر ، صرخت ، الارجح اني صرخت ، او ربما تصورت اني
صرخت ، وربما صرخت اعلي مما اعرف صوتي فلم افهم انه صوتي ....
الم احمر نهش في لحمي ، ادركت في ثانيه لاحقه ان البنطال
القطني تشارك مع الكنكه الطائره في نهشي ، احسست قطنه الناعم سكاكين مازالت تمزق
في لحمي وتنهشه ، بسرعه خلعته ، بسرعه يعني بسرعه ، لم تكن يداي من يتحركا ولا
ايقاعي الذي اعرفه ، كأن كل شيء في الكون تسارع مسرعا ليخلع البنطال القطن وبسرعه
رهيبه من فوقي ، كأن كل شيء في الكون اشفق عليها من نصاله التي لاتكف عن التهامي
فقذفه بعيدا عن جسدي ، في تلك الثانيه اتذكر ان جلد فخدي كان يتقشر مع ثنيات
البنطال ويتحرك معه للاسفل وكأن بين جسدي والبنطال ورقه محشوره انزلقت معه لقدامي
، هل فزعت ؟؟؟
فزعت من منظر الجلد يتقشر بيسر من فوق لحمي ، الحق لم
افزع ، لاني كنت فزعت وانتهي الامر ، ماعشته في تلك اللحظات يتجاوز كل الكلمات
التي اعرفها ،لا الالم الم كما عرفته او اعرفه ولا الفزع كما عرفته او اعرفه ولا
شيء كاي شيء ....
كم ثانيه مرت منذ حلقت الكنكه وسكبت صلبها فوق لحمي ،
وكم ثانيه مرت منذ قذفت بالبنطال القطني من فوق جسدي اشده مسرعه لابعد نصاله عن
لحمي ، لااعرف ، لكنها ثواني معدوده ، تحركت خطوتين صوب الحمام وعقلي في حاله تجلي
غريب يتذكر وكأن احد يتلو عليه ضروره تبريد اللحم المحترق بالماء البارد ، تحركت
خطوتين صوب الحمام وكأني واحده اخري اسحبها من يدها للحمام وهي تبكي وتصرخ وتدعو
يارب ، لابرد لحمها المحترق بالماء البارد اتمناها تصمت بعض الشيء حتي لاتفسد عليا
تفكيري في كيفيه انقاذها والتعامل مع تلك الكارثه ، عقلي تجلي وتذكر تعليمات
السلامه وكدت اخرج من الغرفه مسرعه ، هذه ليست كلمه دقيقه ، لم اكن مسرعه ، كنت
اسابق الزمن انهب الوقت احلق ، صوب الحمام والالم الاحمر يحاصرني وجلدي الذي ينسلخ
من فوق اللحم مازال ينفجر فقاعات صغيره ثم تنفجر وبسرعه ليمتزق الجلد رقع كبيره
وكأن قوي جباره تتجاذبه في كل الاتجاهات بعيدا عن لحمه ومكانه ، تحركت خطوتين صوب
الحمام ، ثم وقفت مكاني ، في تلك اللحظه انتبهي وعي وتجلي عقلي ثانيه انه يتعين
علي اطفاء السبرتايه ، في لحظه ثانيه ربع ثانيه ادركت اني في منزلي واجري ورجلي
محترقه وربما اتصرف تصرفات حمقاء وربما يحدث لي مالااعرفه فتلتهم النيران منزلي
بشعله السبرتايه الصغيره ، عدت الخطوتين قافزه صوب السبرتايه ، دفت لهبها تحت
الغطاء النحاس الصغير واطمنيت لانطفاءها وحلقت مره اخري صوب الحمام
لابرد اللحم المحترق الذي ينهشه الالم الاحمر ....
سحبت التليفون المحمول في يدي ، ساتصل بابنتي التي ستكون
وصلت منزلها من نصف ساعه حسبما قالت لي ، رننت عليها لم ترد ، هل فكرت فيها وقتها
ومالذي اصابها ولماذا لم ترد علي التليفون واين هي وقلقت عليها ، نعم ، فكرت فيها
ولم افكر ، لم اكن انا التي افكر ، كنت اثنين معا ، نتعاون علي انقاذ نفسي من تلك
الحادثه المروعه ....
كنت اصرخ ، لا كنت ادعو ربنا يبقي معي ، هذا كان صراخي ،
هذا مااذهلني وقتما ادركته ، كنت ادعو ربي لايتخلي عني ، كنت اساله اللطف في
القضاء والقدر ، اذهلني اني تذكرته في تلك اللحظه واحتميت به ووثقت انه سيمد يد
رحمته لينقذني ، كنت اصرخ وادعوه واحمده واجري في الشقه صوب الحمام ، فتحت الماء
وصببت بالكوز علي فخذي المحترق ، كان جزء مني يتصرف بصرامه وينفذ تعليمات السلامه
ولايترك لي فرصه لاهذي او اخرف او اعبث بمالايجوز العبث فيه في وقت صعب لايجوز
اهداره ، جزء مني يتصرف بصرامه والجزء الاخر يدعو ربي ينقذني ويبقي معي ، اتصلت
بابنتي مره ثانيه لم ترد ، قررت لاطمئن نفسي واترك مشاعري لوجعي ، عفوا علي تلك
الكلمه التافهه التي لاتصف ماكنت احسه ، قررت ان ابنتي ادخلت صغيرها لينام ونامت
بجواره كمثل كثير من الامهات المرهقه عملا وامومه ، مازال الماء البارد ينسكب فوق
فخذي ويتسلل تحت الجلد المنخلع من مكانه يصنع فقاعات كوميديه غريبه ، هل هذه هي
رجلي التي ينتفخ جلدها ويمتليء بالماء ، هذا الشكل لايعجبني ، الحق يخيفيني ، اضغط
علي رجلي وادفع الماء خارج الجلد فوق اللحم العاري الا من وميض احتراقه ، واسكب
الماء وافكر مالذي سافعله ، هل كنت هادئه ، طبعا لم اكن اي شيء اعرفه ، كنت اثنين
يتشاركا الالم ، احدهما تفكر والثانيه تدعو وهما معا يعيشا الوجع الاحمر ينهش في
روحيهما معا ، فكرت اني وحيده في البيت وربما افقد الوعي من شده الالم ، خرجت من
الحمام اصرخ صوب باب الشقه فتحته ، لو فقدت الوعي او حتي رحلت عن الحياه لايضطر
احدهم لكسر باب الشقه ، فلاترك الباب مفتوح حتي اساعد نفسي لو بقيت حياتها وتحتاج
المساعده ، خرجت من الحمام مسرعه ابحث عن ثوب طويل واسع ارتديه مدركه واحده من
نصفاي وقتها اني خلعت البنطال ويتعين علي ارتداء ثوب مناسب لقدوم الغرباء مهما
كانوا اصدقاء وقريبين ، ارتديت ثوب جرسيه مزركش بالورد ، ابتسمت واحده من نصفي
ساخره من المشهد ، انه ثوب مبهج ملون اشترتيه لارتديه علي البحر وقت الاجازه ولم
ارتديه بعد ، وكأني ادخرته لتلك اللحظه ، هو حاني ناعم طويل لن يؤذي الحرق ولن
يوجعني و....................اتصلت بجارتي الحبيبه وصديقتي التي تقطن اسفل شقتي
صاحبه الحديقه الجميله التي تزينها لمتعتي ، صرخت فيها الحقيني اتحرقت ، صعدت من
شقتها لشقتي في ثانيه ، مازلت اذكر وجهها المرعوب وهي تدفع الباب وتدخل علي ،
حدقتيها المفزوعتين ، لم تفهم مالذي حدث ، الحقيني اتحرقت ، تصورت النيران امسكت
في جسدي ، تصورت النيران امسكت في المنزل ، لم تفهم صراخي ، الحق عذرتها كنت اصرخ
ادعو ربي واخبرها بما عاجزه عن فهمه او قوله ، اتحرقت ، هذا الذي احسسته وقتها ،
لكني الان وبعد مرور ثلاث اسابيع ويزيد ، اؤكد ان ماقلته لها وصف غير مناسب ، واني
افزعتها اكثر مما كانت تتحمل ، ولو اتصلت بي صديقتي واخبرتني الحقيني اتحرقت لن
اظن ان فقط فخذها هو الذي احترق وهذا غير ذاك ، من قال ان هذا غير ذاك ، الارجح
وربنا يكفينا الشر وشر التجربه ان هذا غير ذاك والان لاارغب في المعرفه ولا اليقين
بوجود فارق من عدمه ، اتحرقت هي الكلمه السهله القصيره التي اخبرها بها بما امر
فيه واعيشه لتنجدني وتلحقني ، لم يكن هناك وقت للشرح والاستفاضه فيه .......
لم احكي لكم عن
مارون ، كلبي الصغير ، عن الهلع الذي احس به مع صراخي ، عن الجري الذي كان يجريه
خلفي وانا اتقافز من كل مكان لمكان ، عن اقترابه الفزع مني يتمني ينقذني عاجزا ،
عن نباحه العالي وصراخه وكأن ينبه الدنيا كلها اني وحيده في المنزل والالم الاحمر
ينهش لحمي ، والله العظيم كأنه كان يفهم مالذي يحدث بي وفي ، يصرخ نابحا وحين ابكي
ينشاركي النحيب وحين اتصل بالتليفونات لاستدعي اصدقائي ليساعدوني يرفع صوته كانه
يخبرهم بالقصه ، كان خائف علي من كل الاخرين ، حين فتحت جارتي الباب ودخلت مسرعه
انقض عليها خائف عليها منها فلست انا التي يعرفها ومسكينه حسبما كنت اري حزن ورأفه
في عينيه ، مسكينه يخاف عليها من الاخرين ولو كانت جاره صديقه تحاول نجدتي ، وسط
الصراخ والبكاء والعويل والنحيب والدعاء ، كانت واحده من نصفي تهمس له ماتخافش
يارورو فيكف عن النباح ويبقي تحت قدمي كأنه يحرسني وحين يرتفع صوت صراخي واجري في
الشقه وجارتي خلفي ، يجري هو خلفنا كأنه يحرسني منها ويحاول ينجدني ويفعل اقصي
مايقوي عليه هو يلاحق ظلي ويقترب مني بنظراته الحانيه الحزينه وكأنه يواسيني ....
تفاصيل كثيرة وتليفونات اكثر ....
يفتح زوج جارتي باب الشقه يمنحها مرهم حروق اشتراه من
الصيدليه القريبه من البيت ، تدهن جارتي المرهم ، اشم رائحه غريبه واحس ملمسه اغرب
علي لحمي ، الحق اني لم اجرب قبل تلك اللحظه ملمس اي شيء علي لحمي ، مانطلق عليه
جميعا لحمنا هو طبقه جلد حاميه لللحم تحتها ، مانلمسه هو الجلد ، اما اللحم فلم
يلمسه احدنا ابدا في نفسه ، وربنا مايحكمش علي حد ابدا ، يومها لحظتها احسست ملمس
ذلك المرهم علي لحمي ، كأنه يخدش في نني عيني ، احسه رقيق ينزلق علي اللحم ، لكن رقة
الانزلاق في تلك اللحظه كان ثقبا لحدقتي بشنيور غليظ يوجع بطريقه لم اعرفها من قبل
، تفلح جارتي تفرش الحرق الكبير بالمرهم وتحاول تطمئني ان كل شيء تمام ، التقط
انفاسي ، اتصل بصديقه بعيده ، الو ، مالك ، اتحرقت ، تغلق السكه وتجري صوب
المستشفي الكبيره التي قررنا جميعا اذهب اليها في تلك الليله السوده ، اصدقائي توافدوا علي المنزل لحملي للمستشفي ،
اتصلت بالدكتور ، دكتور تجميل اعرفه منذ عامين ، علاقتنا لطيفه وودودة ، لكنها في
النهايه مريضه بطبيب احتاجت له ذات يوم لينزع كيس دهني من طرف عينيها وتحدثا بعض
الوقت في السياسه وبعض الوقت في الادب ، اتصلت به اتصلت به فزعه اصرخ ، القهوه
اتدلقت عليا ، استقبل كلامي بهدوء يطمنئني لااخاف وتاخذ جارتي التليفون يشرح لها
في ضوء مافهمه مني ، القهوه اتدلقت عليا ، يشرح لها الاسعافات المنزليه التي
يمكنها القيام بها حتي صباح الغد ، تنصت لها بمنتهي الدقه ، تحدق في وجهي وتهمس له
اني لن اسمح لها تلمسني وان عندي هستريا ، كانت محقه ، غالبا مالااعرف اشرحه
بالكلمات الان كان تلك الهستريا التي تصفها للطبيب ، اخذ منها السماعه احاول اشرح له
القهوه ادلقت ، يحاول يطمئني في حدود العباره التافهه التي اشرح له بها الالم
الاحمر الذي ينهش فيه ، طيب اروح المستشفي ، مالوش لزمه ، ماهي مجرد قهوه واتدلقت
عليا ، ، في النهايه يوافقني روحي المستشفي الطواريء وبكره اشوفك ، بيني وبينه
وقتها بالضبط مائه كيلو متر لانه خارج القاهره في احد اطرافها البعيده وانا في
الطرف الاخر الابعد ....
يأتي الاصدقاء ويحملوني بسيارتهم للمستشفي ...
واحده من نصفي تأكدت اني اخرج من المنزل ومفتاحه معي
لافتح الباب ثانيه وقت اعود ، حملت بطاقتي ونقودي ، قبضت علي التليفون وكأنه روحي
استغيث به ومن خلال بكل من ارغب في الاستغاثه به ، لم اخبر اختي لانها تسكن بعيد
وخشيت علي ضغطها العالي اثر الصدمه ، لم اتصل بابي طبعا وفكرت واحده من نصفي في
السيناريو الذي ساقص عليه به ما حدث وقتما اعود من المستشفي ، لم اتصل بابنتي
ثانيه وقررت انها نائمه مع صغيرها واني لن افزعها ، تذكرت ابنتي الصغيره التي تدرس
خارج الوطن ، اشتقت لها وتمنيت لو كانت موجوده ، الحقيقه خفت وقتها اموت ولاارها
قبل موتي ، نعم نصف من نصفي كان يتصور انه سيموت ومشفق علي البنات من صدمه موت
امهم بتلك الطريقه وهم بعيدتين عني ، والنصف الاخر يدرك ان دي تخاريف الوجع واني
حابقي كويسه وزي الفل وحتعدي زي كل حاجه ماحتعدي !!! ويتصارع النصفين والهستيريا
تحملني وتصعد وتلقي بي وتهبط والالم الاحمر ينهش في روحي واتحرك صوب الباب وواحده
من نصفي تبكي وتدعو ربها يارب خليك معايا خليك معايا والنصف الاخر يودع رورو ويؤكد
عليه ماتخافش مش حأتاخر ...
واغلق الباب وانا مصممه اسير وحدي لايسندني احد ، ارفع
طرف فستاني عاليا بعيدا عن فخذي المحترق وانا اسخر من فستاني المزركش اللي مالقيتش
ليله اسود من كده البسه فيه !!!!
وتوجهنا للمستشفي ...............
وانتهت الصفحة الاولي و............ وبقية الصفحات تنتظر دورها لتحكي ...
يتبع .....