23 أكتوبر 2015

اين ذهبت مصر ؟؟؟؟

انطباعات وتأمل في حالنا
" اين ذهبت مصر ؟؟؟"

كثيرون يقولوا بأسي ، مصر تغيرت ، ويتساءلوا بحسرة ، اين ذهبت مصر ؟؟؟
ويحمل تساؤلهم شجن وحنين وافتقاد موجع لجو حميم دافء كنا نعيشه في بيوتنا واسرنا وعائلاتنا منذ سنوات قريبة ، ويفتقده الكثير منا ويروجوا مع بعضهم والاخرين ، ان هذا الجو الحميم الدافء قد اختفي وانقشع وحل محل صقيع وبروده وفتور في العلاقات الاسرية والاجتماعية ...
اين ذهبت مصر ، اين العيد وشم النسيم وعيد عاشورا ، اين الغطاس والكريسماس ، اين الوصل الاسري والعائلي والدفء والحب والتواصل والانصهار ؟؟؟
ويضيف هؤلاء " الكثيرون " ان التوحش والوحشه احتلوا مدننا وشوارعنا وتباعد الجيران واغتربوا عن بعضهم البعض الي حد عدم المعرفة اساسا فاحتل البرود ابنيتنا وبيوتنا فلانعرف الجيران ولايعرفونا ولانتزاور ولا نتواد ويطغي الجليد اكثر واكثر....
والحق اني كنت من هؤلاء الذين يتسائلون دائما ، اين ذهبت مصر التي احبها ، اين ذهبت مصر التي اعتادت تأخذني في حضنها وتسعدني بدفئها وحميمتها ، اين هؤلاء المصريين الدافئين الحانيين الذين كانوا يفتحوا بيوتهم واحضانهم لبعضهم ومعارفهم واصدقائهم واحبائهم بل وللغرباء ويمدوا حبال الوصل والموده ويتجاملوا ويتشاركوا الحزن والفرح ...
كنت اتساءل دائما اين ذهبت مصر التي احبها واين ذهب المصريين الذين اعرفوا ، وربما اشعت - جهلا - ان مجتمعنا يتبدل وبتحول لمستنسخ مشوه من الدول التي يصفها الكثيرين بالمتقدمه والتي مزقت بقوانينها وقواعدها معني " الاسرة " فالاولاد يتركوا البيوت مع الثمانيه عشر او دخول الجامعه ويستقلوا وينفصلوا ويخوضوا تجاربهم بعيدا عن اهاليهم التي لايتبقي لها الاكروت المعايده في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعيه ، وهؤلاء الاولاد هم انفسهم الذين يدخلوا اهاليهم بيوت المسنين ودار الرعايه وقتما يعجزوا عن رعايه انفسهم بلا غضاضه ولااحساس بالذنب ولاتأنيب ضمير بل باعتبارها امرا حتميا لامناص عنه ويمارسه المجتمع كله ببرود جماعي مقبول ، وهي القواعد والقوانين التي تمزق " الاسرة" بالمعني الشرقي الذي نعرفه ، اذا كانت الاسرة الصغيرة قد تمزقت بحكم " التقدم " فمبال بالعائلة الكبيرة التي تضم اعماما واخوال لايتشاركوا الا في الاسماء والجذور ...
كنت اتشارك مع هؤلاء الذين يشيعون ان المجتمع المصري يتحول مستنسخا من تلك المجتمعات البارده المفككه " المتقدمة " التي تمنح اولادها حريتهم وانفصالهم عن اسرهم وتمنح عجائزها بيوت المسنين والرعايه الطبية ، بالطبع كنت ادرك اننا لم نصل لهذه المرحله من التفكك والبرود ، لكني كنت اظن ان مصر في طريقها لهذا " التقدم " الكئيب كما اراه واحسه ، كنت اظن ان مصر في طريقها لهذا وكانت تصوري يوجعني ويؤلمني ربما لاني انتمي الي جيل قديم تعلم معني الاسرة والعائلة وان " الخال والد " وان مرات العم كمثل الام وان البيت الكبير بيتنا كلنا ، كان هذا التصور يوجعني واحسه كمثل اشياء كثيرة تأتينا رغم انوفنا وتنهمر كالامطار السوداء فوق رؤوسنا ، كنت اظنه امر سيحدث سيحدث لاريب فيه وانه لاقبيل لي لمقاومته ولا سبيل لمنعه ولا فرض سطوته وسيطرته علي قلوبنا جميعا وعلي وطننا رغم عن انوفنا جميعا بصرف النظر عن الوجع والحزن والحنين والغضب والرفض ...
كنت مثل هؤلاء " الكثيرين " لماذا ؟؟؟
لان عائلات كثيرة تفككت بموت الكبار الذين كان يسعون لجمع الصغار وتقويه روابطهم ببعضهم البعض باعتبارهم ابناء دم واحد ويحملوا اسم واحد وفروع لشجرة واحده ، نعم عائلات كثيرة تفككت بموت كبارها وانفراط عقد صغارها بالانشغال في العمل الطويل والساعات الكثيرة والجري وراء الرزق واكل العيش والنجاح المهني ، عائلات كثيرة تفككت ، وبالاخص في العاصمه وربما احياءها الراقية التي تسكن فيها مايتم توصيفه بالشرائح العليا من الطبقه المتوسطه المصرية ، تفكك العائلات وموت روؤسها فرط العائلات واغلق علي اسرها ابوابهم مع الوحدة والبرود ، وساعد علي التفكك السفر والهجرة فضلا عن الانشغال الشديد بالهم الشخصي ...
هذا من ناحيه ، من ناحيه اخري ، فان البنايات الاسمنتيه القمبيحه العالية التي حلت محل المباني الصغيرة والفلل في احياء كثيرة من العاصمه ، زادت البرود والبعد ، فلم يعد للجيرة معني مع كثرة الوحدات السكنيه والانشغال بالعمل والهم الشخصي للسكان ، فصار الجيران غرباء وتبدد وضاع مصدر اخر للدفء الاجتماعي والانساني ...
ايضا انتشار الطلاق وخلافاته المستعصيه علي الحل والتوافق في مجتمعنا تسببت في تمزق اسري واجتماعي رهيب ، فحتي الاولاد في كثير من الاسر المفككه صار غريبا عن احد والديه بل وغريبا عن اسرته ، وصار الصدفة العبثيه لابني عمومه لايعرفها بعضهما ويتشاركا مصادفة في دكه مدرسه واحده امر ممكن ووارد ، واحتدمت الخصومات الاسريه بين المطلقين انفسهم وبين اسرهم ايضا لحد دفع ثمنه الاطفال غربه واغتراب عن الاهالي والعائلات ....
وكثيرا مايروج بين المصريين ان " تنازل الرجال عن ممارسه ادوارهم الاجتماعيه ومسئولياتهم " تسبب في تفكك الاسر وانكسار القدوه والنموذج واثر كل هذا الترابط الاسري والعائلي ، ويروج ايضا في المقابل لاثر " انشغال النساء بالعمل والوظيفه وخروجهم من المنزل " علي التفكك الاسري والاجتماعي ... وهي افكار يتداولها المصريين دونما تدقيق او فهم عميق لمعناها ونتائجها وحقيقتها من عدمه ....
ويمكننا طبعا تصور اثر " السفر " و " الهجرة " علي الترابط العائلي والاسري وعلي غياب الدف والحميمية ليس علي المستوي الشخصي بل والاجتماعي ايضا...
ربما كل هذا واشياء اخري لم افكر فيها بعمق ولدي بعض الانطباعات السريعة عنها ، جعلتني من " الكثيرين " الذين يفتقدون مصر طيله الوقت ، مصر التي كانت حميمه طيبه دافئه باسرها وعائلاتها وترابط جيرانها وصداقات العمر وزماله المدرسه ، وكنت اظن انها تبدلت وتحولت وتغيرت وللابد ...
وفي محاوله لتفسير وفهم " اين ذهبت مصر " تأرجح تفكيري بين امور مختلفه ،
فاحيانا اعزيت لقله عدد الابناء اثرها ونتائحها علي حاله التفكك والبرود الاسري الاجتماعي ، فعندما تنجب طفلين ، احدهما ينشغل بحاله والاخر يسافر للعمل فلايبقي لك الا الوحده ، وهما معا ولو ترابطا لايكونا عائله بالمعني الذي عرفناه عن عائلاتنا ودفئها وصخبها ...
واحيانا اعزيت للتعليم الاجنبي وتناقل ثقافه وقيم الدول " المتقدمة " وترويجها علي حساب ثقافتنا وقيمنا الاجتماعيه اثره ونتائجه علي التفكك الاسري والعائلي فالقيم والمثل العليا التي يروج لها هذا التعليم الاجنبي وبالذات الانترناشيونال تختلف تماما عن قيمنا وربما تهزمها في عقول الابناء لمجرد انها قيم ومثل تنتمي لمجتمعات يعتبرها الاولاد " متقدمه " في مواجهه قيم ومثل تعبر عن مجتمعنا الذي يراه هؤلاء " متخلف " دونما تدقيق او فحص لمعني التقدم والتخلف بحق وببصيرة وعمق ....
وكثيرا مااعزيت للانانية الاسرية ان صح التعبير ، بمعني انشغال وانكفاء كل اسرة صغيره علي نفسها وهمومها ومحاول حل مشاكلها وبالتالي البحث عن سعادتها منفرده دون اكتراث بالاخرين ولو كانوا اقرب الاخرين من الاخوه وابناء العمومه وربما الوالدين انفسهم ، اثر هذا علي التفكك الاسري والاجتماعي وغياب مصر التي احبها واعرفها ....
ويظل علي توضيح لماذا اقول كل هذا ؟؟؟
اقوله ، لاقرر بوضوح وشجاعه ، ان انطباعاتي او قراءاتي للمشهد الاجتماعي المصري من هذه الزاويه غير صحيح ويخالف الواقع الحقيقي الذي تعيشه مصر ، والذي لاسباب - لااعرفها لكني ساعرفها - كنت اري الامر من الزوايه القاتمه السوداء وفقط ..
ولايفوتني هنا ، اشرح لكم ، ان سؤالي الدائم " اين ذهبت مصر " بالمعني الذي اقصده ، كان يصطدم دائما ب " مصر " التي يحكي عنها " المحامين و العاملين" في مكتبي سواء كانوا من اصول فلاحيه يفخروا بها او من احياء شعبيه عريقه يفخروا بالانتماء اليها ، هم دائما يتحدثوا عن الترابط الاسري والعائلي ويتحدثوا عن الجيران باعتبارهم في منزله الاقارب واكثر ، كانوا مايحكوه عن تفاصيل حياتهم يربكني ويلخبط تحليلي لما هذا ويحدث في مصر ، وكأن مصر صارت مصرين ، مصر التي اراها تستنسخ الدول المتقدمه وتفقد حميميتها ودفئها ، ومصر اخري مازالت دافئه حانيه مثلما هي ....
اعود واكرر ان محاولاتي لفهم وتفسير اين ذهبت مصر واختلفت ؟؟ كان يصطدم  بما يقصه علي " المحامين والعاملين " بمكتبي عن عائلاتهم واسرهم والدف الذي يربطهم ، كان يصطدم بما تحكيه " ابله لولو " عن عائلتها الكبيرة في قريتها التابعه لمحافظه الغربية ، حيث تجتمع واخوتها واولادهم واحفادهم في الاعياد والمناسبات ، وكل ابواب بيوتهم مفتوحه لاتغلق ، وكل الاطفال في كل البيوت وكل النسوة تطبخ والكل يأكل ، كانت ابله لولو تحكي لي عن خيرات البلدة التي يرسلها لها شقيقها الاكبر من زراعه الارض وكأنه نصيبها وهي تعيش في القاهره بعيدا عنهم ، وهي في نفس الوقت تحكي لي واري بعيني ماتحمله هي لهم جميعا وهي ذاهبه تحتفل معهم بالعيد فتشتري هدوم العيد للاطفال والعباءات للنسوة وجهاز البنات والاجهزه الكهربائيه للاولاد ، وهي محدوده الدخل لكنها تقتطع من قوتها لصالح عائلتها واسرتها وجميعا يفعلوا فبقي الترابط بينهم والدفء والحميمية تشع بهجه في حياتهم كلهم !!!
ومره ثانيه اسال نفسي ، هل مصر ، مصرين ؟؟؟ مصر الدافئه التي تعيشها ابله لولو والمحامين ، ومصر البارده التي اعيشها وكثيرا من سكان العاصمه واحياءها التي يطلق عليها الراقية الانيقة ؟؟؟
ويطاردني السؤال حائرا  لااعرف اجابته ..
لكني في الشهور الاخيرة ، تعرضت لثلاث مواقف ، اكدت لي ان مصر التي اعرفها موجوده وباقيه وراسخة وحقيقية ، مصر الدافئه الحميمة التي تمد الوصل والود بين عائلاتها واسرها ، وان مانتصوره برود وتغير ليس الا ظواهر قشرية علي قمه سطح المجتمع وربما يتعبر عنها في الفن والاعلام والدراما فيتصور البعض انها صارت الحقيقه والواقع ، والحقيقه والواقع ابعد مايكون عن تلك الصورة ....
في ابريل من هذا العام ، دعيت للاسماعيلية لزياره قناه السويس الجديده في ضيافه سيدة مهندسه تعمل في مركز مرموق في هيئه قناه السويس ، دعتني معها صديقه وقتما ادركت رغبتي العارمه في زياره القناه الجديده ، استقبلتنا المهندسه في بيتها الدافء المكتظ بافراد عائلتها واصدقاء زوجها واصدقاءها واسرهم واطفالهم ، البيت كان مزدحما مكتظا بالبشر ، لكنهم جميعا يعرفوا بعض وبعمق وتستشعر من التلصص علي احاديثهم الصاخبه انهم يتشاركوا معا كل اللحظات السعيده الشخصيه والعامه وانهم حضروا زواج ابنه احدهم وسبوع ابن الاخري وان النسوة تتزاور دائما والرجال ايضا ، وقدمت لنا المهندسه المرموقه العصائر الطازجه التي صنعتها في بيتها واكلنا مما احضرته النسوة من صنع ايديهن من مخبوزات وحلويات ، وكانت المهندسه المرموقه وضيوفها في منتهي الاناقة والتحضر والرقي ، ومعظمهن نساء عاملات في مراكز مرموقة ، ويمكنني باطمئنان اعتبرهن جميعا من الشرائح العليا والمتوسطه للطبقه المتوسطه المصرية لكنهم يختلفوا تماما عن تلك الشرائح التي تسكن العاصمه وتروج للبرود والجفاء ، قضيت اليوم في ضيافه المهندسه المرموقه وضيوفها وخرجنا في نزهه للقناه الجديده وصفقنا وهتفنا باسم مصر وزغرطت النسوه بفرح وصدق وعدنا تناولنا طعام العشاء البيتي الفاخر والحلويات المنزليه اللذيذة وسمعنا اغاني من فرقه موسيقيه يكونها بعض الازواج والابناء وسعدنا و..... عدت طيله الطريق من الاسماعيليه للقاهره فرحه سعيده لاني عثرت علي مصر التي كنت اظنها ذهبت ، فاذا بها هناك ، وبشكل متسرع قلت ، ربما مصر التي اعرفها واحبها هجرت العاصمه واستوطنت الاقاليم ومنحتهم دفئها وحنانها واصالتها ...
لكن ذلك الراي المتسرع سرعان ماتبدد وقتما دعتني ابنتي منذ شهرين تقريبا لزياره اسرة مهندسه كانت زميلتها في العمل ، كانت ابنتي تقص علي انها تذهب لبيت تلك المهندسه وتشعر سعاده وحميمه هي وابنها ، وتحكي لي تفاصيل يومها الذي تقضيه هناك فاتذكر تفاصيل ايامنا في بيت جدتي في البلد وبيت جدي في القاهرة ، والمهندسه صديقه ابنتي تسكن مع اسرتها في احد المنتجعات السكنيه الجديده علي اطراف القاهره ، حي جديد شققه غاليه لايسكنه الا القادرين ، ابنتي تحكي عن الاسرة الكبيرة الصعيديه التي تنتمي لها زميلتها ، تحكي عن الاخوه الرجال الصعايده الذين يعملون في شركات البترول الاجنبيه وشقيقاتهن ، وكيف ان التعليم والعمل والاستقلال المادي حتي للبنات الصغيرات لم يفسد الترابط الاسري ولا قوه العائله ولاهيبتها بين ابناءها وبناتها ، كانت ابنتي تحكي لي وانا انصت واحاول افهم ، حتي دعوني يوما لزيارتهم ، وكان يوما جميلا ، البيت صاخب ومزدحم واجيال كثيرة متلاحقه تعيش معا ، كلهم اقارب ، اخوات وبنات اخوات ، خالات وعمات ، جيران واصدقاء ، كلهن يقضين الوقت معا ، وفي المطبخ لاتعرف من الذي يطبخ ووقت الاكل لاتعرف من يحلف عليك لتأكل ومن يغرف لك رغم انفك ، ويلفني الدفء واحاول افهم ، هل الاصول الصعيديه والوصل الممتد مع القريه هو الذي حافظ علي الدفءوالحميمة ؟؟ هل الاندماج والانصهار العائلي بين الاجيال المختلفه هو المولد لتلك الحميمية ؟؟؟ لااعرف ، كل مااعرفه اني وجدت عندهم ووسطهم مصر التي كنت اظنها ذهبت ، وهم ذكور واناث متعلمين تعليم عالي وراقي و اجنبي ، ويعملوا في شركات دوليه ويحتكوا بقيم وثقافات اجنبيه للدول المتقدمه ، لكنهم في النهايه يعيشوا في حضن مصر الدافئه الحميمه دون غربه ولااغتراب ، والاجمل انهم فاتحين حضن منزلهم وعائلتهم لكل من يرغب الاقتراب منهم وسرعات ماذابت ابنتي معهن ووسطهن ، ولم تعد مجرد صديقه لصديقتها بل صارت واحده من العائله ووجد ابنها ضالته وسطهم فهن العمات والخالات والجدات والدفء والحنان والاكل المصري والصخب والضحك والفرحة ؟؟؟ وهل تختبي مصر التي اعرفها في الصعيد وتسكن ارواح ابناءه حتي ولو تغربوا وسكنوا الاحياء والمنتجعات الراقية الغاليه وعاشروا سكانها المختبئين خلف الابواب الحديديه والاسوار العاليه وحجب الصمت ؟؟؟؟؟
واليوم ، عشت موقفا ثالث ، اكد لي ، ان مصر التي احبها واعرفها ، مازالت حيه قويه عظيمه ، مصر الدافئه الحنون التي تشع دفئا في قلوب ابناءها فيشعوا دفئا وحبا ووصلا مع بعضهم البعض ، ولم اكن اليوم في الاسماعيلية ولم اقابل اسرة تحمل الصعيد في روحها ، بل قابلت عائله مصرية كبيرة ، تجتمع في منزل الاسرة في احد الاحياء الراقيه العريقة بالقاهرة لتحيي ذكري الام رأس العائله التي توفت لرحمه الله منذ عامين ، دعتني صديقة لاشاركها وعائلتها احياء ذكري غياب امها ، عائله قبطيه مصرية اصيلة ، تزوجت احد بناتها بمصري مسلم ، فجاء الابناء مسلمين والاعمام مسلمين والاخوال اقباط والخالات واولادهن اقباط والاصهار بعضهم قبطي وبعضهم مسلم ، والسلائف والنسائب بعضهن قبطي وبعضهن مسلم ، وتجاورت الاحجبه فوق الرؤوس مع الشعور المتناثرة وتجاورت العباءات مع البنطلونات والتي شيرتات بلا اكمام ، وعلي الجدران لوحه للعشاء الاخير للسيد المسيح مع بعض الايات القرأنية وكلهم كلهم متحابون يشع من عيونهم اللامعه حب وقرب ووصل ودفء وحميمية و... لم يكن الحاضرين فقط ابناء العائله ونسائبهم واصهارهم ، بل اصدقائهم ممن اعتبرتهم تلك العائله من ابناءها ومنحتهم حبها ووصلها عبر سنوات طويله فصاروا ابناء واعمام واخوال للعائله واولادها فعلا وواقعا ، عشت اليوم في ذلك البيت احساسا طالما اضناني البحث عنه ، وكأن مصر دعتني في حضنها لاقضي يوما عز علي العثور عليه ، فالترحاب المصري الاصيل والشاي والقهوة والفطار والغداء والزيتون المخلل والمحشي والحلويات الشرقيه والافرنجية وصنع البيت ومن المحلات ، والكل متجانس متوحد في نسيج حميم دافء ، نعم غابت رأس العائله بجسدها عن حياتهم لكنها روحها وقيمها ومثلها ودفئها ووجودها الحي افلحت في حياتها وبعد موتها تجمعهن وتقرب بينهن وتبقي بينهن قيم ومثل واخلاق توصل وتقرب وتدفيء وتونس مثلما عشت ورأيت اليوم ....
عثرت علي مصر التي كنت ابحث عنها ، عثرت عليها في ذلك البيت المصري الحميم بنسيجه المتوحد المتشابك القريب المتجانس بلوحاته علي الجدران باثاثه العتيق الاصيل بمائده الطعام الكبيرة والاصناف المصرية الاصيلة والنفس والروح الذي منحهم البيت والعائله للمأكولات والصخب والضحك والونس والاصالة ...
عثرت علي مصر التي ابحث عنها ..مصر الاصيلة الحميمة الدافئه القوية ، عثرت عليها في بيوت المحامين وقراهم والاحياء الشعبيه التي يعيشوا فيها وفي قريه ابله لولو وعائلتها الكبيرة وفي الاسماعيليه في ضيافه المهندسه الكبيرة وفي المنتجع الانيق الذي تسكنه العائله الصعيديه واليوم في الحي الراقي الانيق الذي تسكنه العائله المصرية الاصيلة ، عثرت علي مصر هنا وهناك ، تقول بقوة ودفء انا هنا مازلت موجوده ، اجيال متعاقبه تتواصل مع بعضها بعض وتنقل ثقافتها وتراثها وافكارها ودفئها وحميميتها !!!
واتيت طيله الطريق افكر ، اذا كانت مصر التي احبها واعرفها موجوده ، لماذا يشعر بعضنا ويشيع الاعلام والافلام والدراما والمسلسلات لغيابها واختفاءها وطغيان العصر الجليدي في المشاعر والعلاقات واندثار العائلات والاسر وتفشي الانانيه والقبح ؟؟؟
كنت مخطئه وقتما وقعت في القراءه الخاطئه لمصر وروحها وظننت انها رحلت او تغيرت او تبدلت ، كنت مخطئه ربما لم اري بدقه او جيدا ، ربما تأثرت بالاعلام بالافلام بالمسلسلات بالشائعات ، كنت مخطئه لكني اليوم وبمنتهي الثقه واليقين اقول بزهو وفخر ان مصر الجميله موجود وباقيه في روح الكثير من ابناءها وبناتها وعائلاتها واسرها واذا كان بعضهم فقد روحه او ضميره او قيمه او مثله او تبدل او تغير فهو مجرد " بعض قليل " لايمس الحقيقه الراسخه التي رايتها بعيني مرات ومرات في هذه السنة الاخيرة ..
اكتب لكم لتشاركوني مارأيته وفرحتي به ولاسمع منكم ماتروه وقراءتكم لما تعيشوه ومايحيط بكم ، علنا نفهم جميعا ، كيف نحافظ علي مصر الجميله التي تستحق نحافظ عليها ونحفظها في ارواحنا وقلوبنا ...
وايه رايكم بقي ؟؟؟؟