29 سبتمبر 2008

النساء كالمدن ... المدن كالنساء ... صفحه من كتاب جغرافيا النساء ..



النساء كالمدن يقف الغريب امام عتباتها راجيا متمنيا لحظات الوصل يقتات الامل الذي يطيل ليله ويقصرساعات نهاره ينتظر الرضا الذي ستمنحه المدينه له فتفتح احضانها تهون غربته المقيته وتهون انتظاره اللعين !! النساء كالمدن تتصور انك تعرفها وانت لا تعرفها ، تتوه في دروبها المعروفه وانت تحمل الخرائط الشارحه لكن دهاء المدن يفوق رغباتك وامنياتك والحاحك وكل عطاءك الذي تعدها به فتراوغك وتحكم اقفالها في وجهك ولا تدعك تيآس فتفر منها فيؤرقها ملل انتظار المحب القادم بل تستبقيك بين كفيها تسقط عليك بعض رحيقها قطرات ندي بارده او تمنحك بعض انفاسها نسائم رقيقه تداعب شوقك الملتهب ينتظر العناق المستحيل بينك وبين المدينه التي تراكم الاغبره فوق وجهها تختبر قدرتك علي الجهد المستمر بلا امل فان يآست تركتك غريبا تائها وان فررت راقبت خطواتك الهاربه وفكرت في مليون طريق لارجاعك لدروبها الملتويه وان غفوت دخلت لك مناطق اللاوعي تروعك بكوابيس الوحده وان استكنت لانتظارها وبقيت مكانك تحلم بها قد تتهور وتفتح لك نافذه صغيره تلقي لك منها ورده مجففه تداعب امنياتك باوراقها الجافه فتمنحك زادا للانتظار وقوه للبقاء امام البوابات وحيدا تتنظر بكل لهفه صوت زقزقه عصافير الجنه التي ستنام في لحظه الحلم فوق كفيك برقه وشوق وحنان !!!! النساء كالمدن قاسيه لاتحنو علي الغريب ولا تهدي التائه ولا تربت علي كتف المتعب ولا تحتضن المهزومين ولا تصفح عن الخائنين الغادرين ولا تثق فيمن لا يثق في نفسه وفيها ولا تمنح اسرارها الا لمن يلح ويلح ثم يعطي ويعطي ثم يحب ويحب ويتحمل كوابيس الليل ولا يستيقظ منها مرتاعا فلا يخاف شوارعها المظلمه ولاغاباتها الموحشه ولا قناديلها المظلمه ولا انطفاء القمر في ليلها ولا حريق الشمس في نهارها ولا ارتفاع موجهها ولا تحاريق نهرها ولا انتفاضات شعرها الغجري المتوحش ، يتحمل الاحلام المستحيله التي لاتتحقق فلا ييآس من ابتعادها عنه ولا يهرب من جفافها معه ولا يتشاجر حين تعطيه ظهرها يلمح بظهره وهو مغمض العينين ابتسامتها الحانيه التي تدخرها له حين سترضي عليه ويلعق بطرف لسانه مذاق سكاكرها التي صنعتها امرآه هرمه تجلس عند بوابه المدينه تنتظر الفارس الذي سيسعد مدينتها وابنة حجرها ويمنحها اطواق الياسمين العطره تزين بها ابراجها العاليه ....... النساء كالمدن ... مدينه لا تعرف لغتها تتوه في شوارعها تحس الغربه تفترسك وانت تقف امام بواباتها لا تفتح لك ضلفتيها ابدا وانت عاجز اخرس لا تعرف سبيل للتواصل معها ولا اختراق غلالات حجبها التي تغريك وتغويك وتثبتك مكانك لكنها لا تمنحك نفسها ابدا .. مدينه لعوب لا تستيقظ الا ليلا لا تراها الا مزركشه بالالوان تسطع بالبريق الزائف نهارها موحش فجسدها يشحب في ضوء النهار ورائحه انفاسها تثير الغثيان ... مدينه حنونه تحسها تكاد تحتضنك بذراعيها تمشي في دروبها امنا كآن ولدت منها وعلي حجرها رائحه احجارها مآلوفه وقصص شوارعها لا تدهشك وظلال اشجارها تتحد وظلال جسدك وترسم غابات طمآنينه تحتويك تخطفك لاحضانها الدافئه .. مدينه لا تحبك مهما فعلت لها لا تمنحك اذنيها تصم قلبها امام طرقات كفوفك اللحوحه تشمئز من رائحه عطرك الجميله تثير اعاصيرها في وجهك تغلق كل نوافذها امام انفاسك تنظر لك شذرا يطاردك في ازقتها رجال الشرطه واللصوص وقاطعي الطريق يروعوك يبعدوك من تحت اسوارها .. مدينه عاقله شوارعها واسعه واشجارها مقلمه ومبانيها منظمه وزهورها تعيش في الصوب وليلها تنيره المصابيح الموفره للطاقه ولا تفتح لك الباب فتطمع ولا تغلقه في وجهك فتيآس ولاتتركك تتجول في دروبها حرا بل تقبض علي يدك تقودك في طرقها الواسعه وتسير بها علي شواطىء بحارها المرسومه في الصور العملاقه وتجلسك علي مقاعدها البلاستيكيه ولا تريحك ولا تنفك تذكرك باهميه العقل وجدوي التفكير الذي يآكل عقلك فتنسي لماذا دخلت تلك المدينه الموحشه بعقلها ... مدينه غجريه مجنونه تزين شوارعها القباب والاضرحه والاعشاب البريه والزهور العشوائيه لاتعرف لونها لكنها تسلب لبك تسمع فيها صوت الجلاجل المدويه ودقات الدفوف الصاخبه وزقزقات العصافير سحب صاخبه فوق اعشاب السافانا الوحشيه مدينه تقبل عليك فتهرب خوفا تمنحك اسرارها فتتواري امام سطوتها وروائح عطورها وشواطئها المجنونه تلقي عليك بالحصي والقواقع والرمال الخشنه تتسلل لجسدك تخدره فتخاف الغيبوبه في حضن تلك المجنونه وتتمني الا تفيق ابدا لكنك في النهايه تفر ضعيفا خائفا هاربا من رغبتك المجنونه للبقاء تلعق قدميها تفر منها يرتعش قلبك من الرغبه في البقاء معها حتي تنسي الزمن والوقت والحياه ذاتها مدينه غجريه مجنونه لا تميز لحظه طفولتها البرئيه من غضبها الجارف من فيضانات نهرها المرعبه من رياح رغبتها العارمه فتهرب وانت نادم لانك قابلتها وعرفتها وفررت منها ولم تبقي ابد العمر نائما في نافوره فيضاناتها .... مدينه موحشه مثل المرآه العاقر التي لا تقبل نصيبها في الحياه فتغلي مراجلها طيله الوقت غضبا تحس هوائها ثقيل ساخن ولزج انفاسها حامضه تقلب معدتك بروائحها الكريهه مبانيها رماديه كمثل سماء السحب المنخفضه في نهار الشتاء البارد تحسها تحاصرك وانت وحيد تمضغ الحسره التي اوقعتك في سكه تلك المدينه التي رحبت بك وهي تكره نفسها فكآنها اختطفتك للعوالم الشريره تلهو بك مع الجنيات الشرسه تكاد تقدمك قربانا علي مذبح الخصوبه الضائعه مدينه موحشه ان اوقعك حظك العثر علي بوابه دخولها لا تطرق الباب واختبيء فالكمائن المنصوبه لك داخل الاسوار اكثر مما تتصور ولا تخدعك ابتسامتها المرسومه فاسنانها صفراء ولا تمد يدك تلمس وجهها المتجعد وانجو بنفسك ... مدينه برئيه كالاطفال التي لم تلوثها سحب النفاق تبتسم في وجههك ترحابا فيسطع قوس قزح في حياتك .. مدينه صغيره كعقله الصباع تكاد تحملها في قلبك وترحل بها بعيدا عن خرائطها فتترك لك نفسها وتخبيء نفسها في جيب بذلته تحت القرنفله الحمراء التي تتزين بها .. مدينه صامته تغزوك بمرض النوم كآنها دست خراطيم سمها في عنقك خدرتك وتركتك للصمت يلتهم حيويتك .. مدينه غاضبه تنتفض احجار شوارعها بالضيق كآن مراجل الحياه قد اوقت تحت اقدامها وتركتها تتلوي من السخونه البغيضه التي لاتحرق الا ثوب ملابسها وملابسك ... مدينه متسامحه فتحت ابوابها للغرباء وابتسمت بادب في وجوههم ومنحتهم اكلها ومشاريبها ونبيذها المعتق وتركتهم ودخلت تنام حتي تقوي علي استضافه بقيه الغرباء في اليوم اللاحق ... المدن كالنساء جميله لكن عاقله ، عجوز لكن حمقاء ، كريمه لكن سريعه الغضب ، صامته لكن حكيمه ، محبه لكن غيوره ، مجنونه لكن متآلقه بالبهاء ، صاخبه لكن متسامحه ، بهيه لكن جدباء ..... المدن كالنساء ... ينتظرن بكل الشوق الرحاله الذي يقف امام اسوارها مقداما جسورا مستعد للموت بكل سعاده من اجل لحظه تماس حقيقيه !!!!!!! المدن كالنساء تنتظر وتنتظر وتتمني دائما الا يطول انتظارها لقدوم المحبين ....... !!!!!!

12 سبتمبر 2008

لاول مره في حياتها تقرر ...!!!!


هل تعرفون " مسلوبة " ؟؟؟؟ هل تصدقون ان هذا اسم لسيده ولدت بائسه وعاشت بائسه وماتت اكثر بؤسا !!! نعم هناك اب وام في قريه ما قريه منسيه صغيره لا تظهر علي خريطه هذا الوطن انجبا طفله صغيره وغضبا من انجباها فهي لن تحمل اسم الاب ولن تحمل هم الام ولن تجلب لاسرتها مثل كثير من الفتيات الا وجع الدماغ واحيانا العار والفضيحه فاختار هذا الاب وتلك الام ان يمنحا ابنتهما اسما يصف حياتها ومماتها وحال دنياها فاطلقها عليها اسم فريد اعتقد لم يشاركها فيه احد ابدا " مسلوبه " !!!
عاشت مسلوبه طفوله بائسه في قريه فقيره لاب من عمال التراحيل لم ينجح ابدا ان يملآ معده اطفاله الكثر واخرهم مسلوبه ولم ينجح ابدا ان يحقق لاي منهم احلامه وكيف وهو شخصيا عاش فقيرا ومات بائسا وانجب عده اطفال احتسبهم المسئولين عن التعداد في وطننا من ضمن ال٧٥ مليون الذي يكتظ بهم الوادي الضيق !! " مسلوبه " فتاه صعيديه لا تتذكر طفولتها ولا تعرف معناها فقد وعيت علي الدنيا وهي تقف مع امها امام الكانون تلسعها نيرانه وهي تخدم اشقاءها وابيها ، مسلوبه فتاه طوع تسمع الكلام تنفذ اوامر كل من لايجد من يتآمر عليه وحين بلغت وتساقطت قطرات الدماء بين فخذيها وقبل ان تسآل ماذا حدث لها او تفهمه اغتالت الدايه معقوفه الوجه انوثتها وقطعت من جسدها اداه السحر التي منحها لها الخالق العظيم سبيلا للاستمتاع بانجاب الاطفال والحفاظ علي الجنس البشري من الانقراض و.. زغردت امها وذبحت لها الدجاجه الاخيره واطعمتها لها وزينت لها الزواج مصيرا جميلا للفتيات الناضجات مثلها ولم يطل انتظار مسلوبه فحين طرق اول رجل باب منزلهم الفقير يسآلهم كوب ماء التقطه الاب الاجير ورحب به واطعمه ومنحه ابنته وجسدها وبكارتها واعتبره ابنه واشتري ذراعيه القويين وجسده الفحل وتخلص منها ومن مكانها الذي تحتله في المنزل الضيق ومن لقمه العيش التي كان يتعين عليه توفيرها لها ..
انتقلت مسلوبه لبيت زوجها الذي لم تعرفه ولم تراه ولم تختاره فهو مجرد رجل اتاح لها الحظ الزواج به ، رجل لا يمكن ان يمنحها في افضل الاحوال الا عشاءا فقيرا اخر الليل تسدد ثمنه الفوري من جسدها المتاح للزوج يعبث فيه وبه ، انتقلت من بيت ابيها لبيت زوجها يدوي في اذنها العبارات الامره التي لقنتها لها امها عن طاعه زوجها وانجاب الاطفال الكثر لها والا عادت " مفضوحه " لبيت ابيها مجلله بالعار والذل وكسره النفس !!
وانصاعت مسلوبه لكل الاوامر التي حاصرتها فعاشت وماتت الزوجه الصالحه التي اطاعت زوجها صاغره ووافقت علي كل كلامه وسايرته في كل رغباته ولم تعارضه ابدا وتركت له جسدها ملعبا يمارس فيه ذكورته ورغباته الغريزيه وانجبت له الاطفال الواحد تلو الاخر ذكورا يحملون اسمه واناثا يخدموه ويخافوا منه ومرت السنوات عليها قاسيه طاحنه فخدمه الزوج والاطفال والجسد المباح والانجاب المستمر التهموا صحتها وسرعان ماتبدلت وفقدت نضارتها وهرمت وترهل جسدها وجحظت عيناها لكنها لم تتذمر ولم تتمرد ولم تشكو وعاشت نصيبها في الحياه بكل رضاء وتقبل وخضوع ..
وحين طلب منها زوجها لم " خلجاتها " استعدادا للنزول للقاهره لانه الحظ الذي اعطاه ظهره كثيرا في النهايه ابتسم له ومنحه فرصه عمره وظيفه براتب ثابت حارسا علي ارض قفراء ستتحول بعد عده سنوات من العمل والحراسه لبرج شاهق اضطربت مسلوبه وبكت خوفا من الغربه وانتابتها كوابيس الرعب من المدينه المخيفه التي لا تعرفها وحين حسدتها نساء القريه لانها ستعيش في مصر ازداد اضطرابها واشعلت البخور وقت الصلاه يوم الجمعه تدعو ربها للحفاظ عليها وعلي اطفالها وعلي زوجها من " العين والسو والرضي واولاد الحرام " وسرعان ما خبزت وعجنت وطبخت استعداد لرحله الغربه وزرات مقام الشيخ علي طرف القريه توصيه بابيها الهرم وامها المريضة وتستعطفه " يحنن عليها الزمن ويهون غربتها " وحملت اطفالها الرضع والقفف وطرف جلباها وسارت خلف زوجها في طريق قدرها الللعين الذي لم تكن تعرفه !!!
ولدت مسلوبه في اسره لم ترحب بها فهي فتاه " كبه " تضاف لبقيه " الكبب " التي يهددن الاسر المستقره بالعار والفضائح ومنحت اسما لم تفهمه و لم تحبه ولم تتباهي به وزوجت لرجل لاتعرفه ولم يسآلها احد عن رايها فيه وعاشت معه ايامها تطيعه فلم يكف عن ملاحقتها بالاوامر وتكلمه فلا يسمعها فلم تفقد الامل ان يمنحها اذنه يوما وحين قرر الرحيل سارت خلفه صاغره فهي " مسلوبه" وبحق ، مسلوبه الراي والاراده والقرار كاسمها الذي اختصتها به الدنيا دون بقيه الاسماء الاخري واسمها وقدرها الذي صاحبها منذ صرخه الميلاد الاولي وسيلازمها حتي انفاس الموت الاخيره ....
وقبل ان تآنس للمدينه المتوحشه التي القيت في قلبها دون رحمه ترك لها الزوج كل المسئوليه فهي الحارسه علي الارض والخادمه للعاملين فيها والمراعيه لاطفالها وجلس هو علي القهوه القريبه يحتسي الشاي ويسدد ثمنه من حصيله عملها ويحلم بالمرآه الجميله البضه التي تمر امامه بسيارتها الفارهه صباحا وفي اخر الليل يعود للعشه المكدسه باطفاله يلقي جسده فوق جسدها المترهل ويعبث فيه باصابعه الخشنه ولا ينظر في وجهها او يحدثها يمارس واجبه اليومي المقدس تحلق خيالاته بعيدا عنها كارها جسدها الجاف متمنيا جسد المرآه الجميله الشهيه التي لا يحلم الا بها موقنا استحاله اقترابه منها او حتي النظر في وجهها ..
وحين انتهي العمل في العقار الذي عين الزوج بوابا له قبعت مسلوبه واطفالها في الحجره الصغيره التي منحوها له تحت بير السلم ومارست كل الاعمال التي كان يتعين علي الزوج البواب القيام بها فهي تخدم كل سكان العقار وتشتري لهم طلباتهم من السوق وتمسح لهم سياراتهم وتكنس امام شققهم وتمسح درجات السلم العالي الذي لاتعرف عدد ادواره تركته هو متآنقا مرتاحا جالسا امام مدخل العقارمبتسما في وجه السكان وضيوفهم ينفخ دخان سيجارته بكل استمتاع تتمني رضاءه المستمر تنتظر منه اذنا يعيدها لبلدتها الصغيره ولو في زياره مؤقته لكنه لم يمنحه لها ابدا وابقاها تحت رحمته وخدمه السكان متجاهلا الحاحها " نفسي اروح " وحين رفعت صوتها يوما - وهي لاتقصد - تتذمر من حالها والخدمه المستمره التي ارهقتها تعبر عن شوقها لاسرتها و" يومين بس والختمه وحارجع طوالي " يومها رفع زوجها كفه وضربها قلم دوي صوته في البرج كله وزآر في وجهها وهو يلاحقها بالضربات الموجعه واسقطها ارضا والقي بجسده فوقها يضربها وهو يتوعهدها باعادتها للبلدة كسيره النفس عاريه الرآس ذليله بعد ان يتزوج بفتاه صغيره عفيه تطيعه وتنفذ اوامره ولا ترفع صوتها فيه ابدا .. يومها انهارت مسلوبه وصرخت ولطمت وبكت وتناثرت الكلمات من فمها مرتدعه مرتعشه وطلبت عفوه وسماحه واكدت له " لا اسيبك ولا اسيب عيالي ولاعمري ااقول انزل البلد تاني " ونامت تحت قدمه تقبلها تستسمحه ان يبقيها في مصر تخدم اولاده وتخدمه ومعهم سكان البرج العالي و" معنتش حاقول عايزه اسافر ابدا " رفضت مسلوبه العوده لقريتها وخافت من ركلات ابيها في بطنها غضبا لرجوعها واطفالها تزيده هما فوق الهم وفقرا فوق الفقر وخافت من " شماتته العدوين " والمصير المظلم الذي ينتظرها ..
وفي اليوم الاخير لحياتها القصيره وقبل اشتعال النيران في البرج الفخم الذي عاشت في قبوه واحقر اماكنه ، كانت تمسح السلم ضجره غاضبه مقبوضه القلب لاتعرف لمزاجهها المعووج مبررا مفهوما ، كان اطفالها الصغار يتقافزون حولها وابناءها الكبار يساعدوها وجميعهم غارقين في المياه البارده منهمكين في شآنهم حتي سمعت وهم معها صراخا وضجيجا لم تفهم سببه حتي شاهدت الناس تفر من النيران صعودا علي السلم الذي لم تنتهي من تنظيفه فتسمرت مكانها ولم تجروء علي الصعود معهم ولم تكترث وقتها الا باطفالها وقبضت علي اصابعهم الصغيره وهي ثابته مكانها تحدق في ملامح الرعب التي تلون وجوه السكان هولاء المتغرطسين اللذين اعتادوا تجاهلها لا تصدق ما تراه مرسوما علي وجوههم فهم ليسوا الا بشر مفزوعين يبحثون عن ملاذ او مخرج من الحريق العاتي الذي اشتعل في شققهم الفاخره ، وحين ملآ الدخان بير السلم وكتم انفاس الجميع صرخ احدهم " السطح ، نطلع السطح " فلم تفكر مسلوبه وانما سحبت اولادها وسابقت الريح وهرولت للسطح الذي لم تصعده ابدا تلاحقها صرخات السكان يبحثون جميعا عن ملاذ ينقذهم من النار المستعره التي اشتعلت في بدن عقارهم تلفهم الادخنه القاتله تخنق انفاسهم ، وقفت مسلوبه علي السطح تحدق في السماء التي لا تراها تنظر للعقارات المجاوره للطائره التي تكاد تلمس باجنحتها الاطباق الكثيره المغروسه في السطح ابتسمت مسلوبه فاندهش اطفالها وهي التي لا تنفرج قسمات وجهها ابدا غابت عن الحريق الذي تقترب نيرانه من طرف ثوبها نسيت الصراخ الذي يصم اذنيها تجاهلت السكان الفزعين حولها واقتربت من سور السطح تنظر للاسفل فمادت الدنيا تحت قدميها وكادت تسقط سمعت احد السكان يؤكد لبقيه المذعورين " دلوقتي المطافي تيجي وتنزلنا " صدقته مسلوبه ونحت نفسها جانبا وانسحبت من وسطهم بهدوء وجلست علي الارض تسند ظهرها علي السور وانامت صغيرها علي فخذها ولمت بقيه اطفالها حولها وزجرت احدهم حين كاد يبكي وافهمتهم جميعا " زي مالباشا قال شويه وحننزل " وغرقت داخل نفسها تتساءل لماذا لم تصعد للسطح ابدا قبل ذلك اليوم لماذا لم تفكر ان تصعد حتي نهايه السلم الذي اعتادت مسحه لماذا لم تصطحب اولادها يلهون فوق السطح الذي يكسوه بلاطا لامعا تمنت مثله لغرفتها الصغيره ، نسيت مسلوبه زوجها الذي كان يقف وقت ذاك علي الرصيف المقابل للعقار يصرخ فزعا من النيران المستعره التي اشتعلت في وظيفته ذات الراتب الثابت ، نسيت مسلوبه زوجها ولم تبحث عنه ولم تفتقد غيابه ولم تناديه لينقذها وهي التي اعتادت غيابه طيله النهار وتمنت بعده عنها طيله الليل ، جلست مسلوبه ساكنه كآن مايحدث لا يحدث كان النيران التي سخنت الجو حولها ليست الا نيرانا مثل التي تشاهدها في الافلام المخيفه التي يهوي زوجها مشاهدتها قبل النوم ، انتظرت مسلوبه القدر ينقذها واطفالها فهم " غلابه " وهي " ماعملتش حاجه وحشه في حياتها " وكادت تنام لا ينبهها الا قبضتها القويه الممسكه باصابع اطفالها خوفا عليهم " صغار وعمرهم ماطلعوا فوق كده " وفجآ فتح باب السطح ودخل بقيه السكان هرعين خائفين يصرخون لا تفهم من حديثهم المرتاع شيئا لاتفهم كلماتهم التي لا تعرف معناها سآلها ابنها الكبير عما يحدث فضربته في صدره لانه " حشري " وطالبته بالصمت ووعدته " ماتخافش كلها حبه وينزلونا " لكن ابنها فر من قبضه يدها وجري صوب باب السطح وكاد يفتحه لكن احد السكان امسكه من ملابسه ونهره وزجره لانه سيفتح عليهم ابواب جهنم وافهمه " النار ورا الباب لو فتحته حنتحرق كلنا " فعاد الصغير لامه يشرح لها مايحدث حولهم وان السكان خائفين وان النيران قريبه وان " حنموت ياامه " ابتسمت مسلوبه وربتت علي ظهره ساخره من انفعاله الرهيب وشرحت له " يام كل دول حيموتنا انت ياواد عبيط دلوقتي ينزلونا " لكن صراخ السكان ارتفع وشق عنان السماء وانهارت احد السيدات باكيه وصرخت الاخري في زوجها تتشاجر معه لانه لا ينقذها وقامت مسلوبه تنظر ثانيه من سور السطح فشاهدت سيارات المطافيء تحيط بالعقار وشاهدت خراطيم المياه تقذف شلالاتها فوق النيران التي لا تكترث بكل مجهوداتهم لاطفاءها وسمعت وهي قرب السماء صراخ الناس في الشارع ولمحت زوجها يقف علي الضفه الاخري من العقار يصرخ ويلوح بذراعه كآنه يكلمها ونظرت خلفها لبقيه السكان فشاهدت لوحه رعب ترتسم علي وجوههم تلون ملامحهم احستهم منهارين لايقوون علي الوقوف علي اقدامهم ينظرون برعب لباب السطح الذي تدفعه النيران والادخنه لينفتح في وجوههم يغلق امامهم اخر امنيات النجاه تسلل الرعب بطيئا لقلب مسلوبه نظرت لاولادها الصغار يصرخون مع الصارخين يبكون مع الباكين يهرولون من مكان لمكان فوق السطح يبحثون عن ملجآ او ملاذ اقتربت من الرجل الطيب الوحيد في السكان وسآلته " وبعدها ياباشا " نظر لها باسي ولم يجيب عليها فانفجرت براكين الفزع في نفسها وادركت بغريزتها وقت ذاك انها واولادها في خطر واحست ان النيران التي لم تكن تصدق وجودها ستآكلها وتآكلهم ، جريت امسكت بهم اجلستهم فوق فخذيها احتضنتهم بكت فوق اكتافهم اكدت لهم حبها ومعزتها لديها قرآت معهم كل الايات التي تحفظها من القرآن تلعثمت ونسيت واخطآت فطلبت المغفره من رب العباد وانفتح باب السطح ودخلت السنه النيران منه وحوشا مسعوره تطارد السكان المتحتمين بالوهم فوق السطح جريت مسلوبه واولادها بعيدا عن النيران فقابلتها الادخنه السوداء حرقت مقلتيها وكتمت انفاسها واضلتها الطريق وكاد احد اولادها يفلت من قبضتها فعادت مذعوره لحضن النيران لا تعرف اين تذهب تخاف النيران ولاتجد لها مخرجا من وهجها الحارق نظرت حولها للدنيا الواسعه والطيور المحلقه في السماء وتمنت ان ينبت لاطفالها اجنحه يطيروا بعيدا عن المحرقه التي تكاد تلتهمهم رفعت راسها تبحث عن الطائره العملاقه التي كانت تصم بصوتها اذنيها تتمني ان تهبط وتلتقطهم تمنت لو لم تولد اساسا ولم تقابل زوجها ولم تنجب اطفالها الاحباء المرتاعين المفزوعين الممسكين بقبضه يدها ملاذا ونجاه وصرخ الناس اكثر واكثر فنظرت للباشا وسآلته " وبعدها ياباشا حيحصل لنا ايه " لكن الرجل لم يجيب علي سؤالها منشغلا بطلب المغفره والرحمه لنفسه يستشعر قرب نهايته هرولت مسلوبه صوب السور تنظر للشارع البعيد احسته قريبا صرخت باعلي صوتها تنادي زوجها تشرح لها خطتها في انقاذ اطفالها " القفنا " لكنه لا يسمعها ولا يراها قررت تلقي باولادها من فوق السطح تدعو الله ان ينجيهم من المصير المهلك تشرح للرجل الذي حاول منعها من القاء ابنها الاول " ماهو لو فضل النار تاكله لكن كده هو بين ايدين الله يرحمه برحمته الواسعه " تنسال دموع مسلوبه وهي تتصور انياب النيران اللاسعه تنهش في جسد اطفالها الاحباء تصرخ وهي تتصور النار تحرق جلودهم وتكوي اجسادهم وتسيح عظامهم تصرخ وتنظر للشارع البعيد تحسه قريبا فهو باب النجاه الوحيد الذي لا تملك الا طرقه ولفت ابنها الاصغر في بطانيه وصرخت في الناس المتكدسين تحت العقار ان ينقذوه واصمت اذنيها عن فزع السكان يناشدوها الا تلقيه تشرح لهم وشهقات بكاءها تمضغ نصف كلماتها " الا لو فضل النار تاكله " والقت مسلوبه بابنها الاصغر وحبيب قلبها من فوق السطح وحين "دب" جسده فوق الارض ابتسمت فهي انقذته من الموت حرقا وهرولت خلف الاخر تطمآنه " ماتخافش ياعبيط مش احسن من النار تاكلك " وقبلته ونصحته " وانت نازل تقرا الفاتحه وربك كريم " وطلبت مساعده الاخرين لحمله معها والقاءه من فوق السور لكن بقيه الناس كانوا يصرخون يبكون يهرولون لايعرفون ماذا سيحدث لهم والنيران دخلت عليهم السطح والادخنه حاصرتهم والموت ينتظرهم قدرا حتميا في تلك اللحظه فانتابتها قوه خارقه وحملت ابنها المذعور واحاطته ببطانيه قديمه واكدت عليه " تقرا الفاتحه ربنا يحفظك " ومسحت دموعها وهي تقبل راسه ثم القته بكل قوتها من فوق السطح وتابعته طائرا تراه يلوح بذراعيه وساقيه تدعو له بالنجاه وتصرخ في الناس ورجال المطافىء " امسكه ياخويا ربنا يخليك " وطفل خلف الاخر وابنه وراء الثانيه والنار تستعر في السطح وتقوي وترتفع السنتها للسماء التي احمرت بقع واسعه كآن الدنيا كلها تحولت لحريق كبير وصرخ احد السكان والنار تمسك بطرف ملابسه صرخ وجري وهرول كآنه يهرب من الاشباح المتوحشه صرخ والقي بنفسه في الارض تحت ارجل بقيه السكان كانه يطلب مساعدتهم لكنهم جميعا مشغولون بانفسهم بانقاذ انفسهم جرت عليه مسلوبه تمسك النار بيديها كآنها تطفئها لكن النار تلسعها توجعها تفر بعيدا عنه ثم تعود له وهو يصرخ يستغيث تصرخ معه تطالب الاخرين بانقاذه ترفع راسها للسماء تستجد بالقدير يساعدهم تنسي اطفالها التي القت بها من فوق الدور السابع والعشرين تتصورهم احياء اصحاء تنظر من فوق السور تفحص البشر المتكدسين اسفل العقار تبحث عن اطفالها وسطهم ثم تصرخ في السكان المرتاعين والنار تحاصرهم من جميع الاتجاهات تصرخ فيهم " مابدهاش بقي النفر ينقذ نفسه وينط " ينظرون لها كانها مجنونه تقول لهم مالا يمكن لاحد تقبله تصرخ احد السيدات في وجهها " مجنونه مجنونه " لا تفهم مسلوبه سر غضبها لاتفهم مسلوبه اذا كان القفز من فوق السطح جنونا فما هو العقل البقاء وسط النيران والموت احتراقا تصرخ " مابدهاش لازم ننط " يتملكهم العجز الرعب يشلهم الفزع يشرح لها احدهم وهو يجري مذعورا " لو نطينا حنموت " تبتسم مسلوبه وهي تري النيران تحاصرهم من جميع الاتجاهات " ولو فضلنا حنتحرق " ثم قررت ان تتجاهلهم وتقفز هي من فوق السطح تلحق بابناءها صعدت فوق السور ارتفعت صوت الصرخات السكان المحاصرون فوق السطح يصرخون فيها كي لا تقفز والبشر المكدسين تحت العقار يصرخون فيها الا تقفز وهي لا تفهم كلماتهم ولا تعي معانيها وقررت - ولاول مره في حياتها تقرر- قررت ان تقفز وتلحق بابناءها وتنقذ نفسها و.......... قفزت مسلوبه فاره من النيران والادخنه والموت لوحت بذراعيها كانها عصفور وليد لا يعرف الطيران وحركت ساقيها تدفع الهواء تقرآ كل ماتحفظه من ايات قرآنيه وتستغفر ربها علي كل ذنوبها وتمني نفسها باحتضان اولادها وتحلم ببلدتها الصغيره وحضن امها والجلوس تحت الشجره المورفه في الغيط و.... اندفعت مسلوبه بكل قوتها صوب الارض تحسها تقترب منها تمد ذراعيها كآنها ستلمس الارض وتنام علي حجرها تصرخ تنادي اولادها زوجها ابيها امها تري طرحه رآسها تطير بعيدا عنها تمد يدها تكاد تقبض عليها تطير خصلات شعرها التي لم تكشفها ابدا تشعر مسلوبه خجلا لاتعرف كيف تداري شعيراتها الطائره تبتسم هاهي الارض اقتربت تصرخ بصوت عالي " ياحسين " و...... ترتطم بالارض مهشمه العظام صامته وعلي وجهها اغرب تعبير يمكن للبشر رؤيته كآنها سعيده كآنها مرتاحه كآن كل الاحمال التي اثقلت حياتها قد تبددت ، سقطت مسلوبه علي الارض من الدور السابع والعشرين قتيله محطمه العظام فلم تري اجساد اولادها الصغار التي القت بهم من السطح لم تراهم قتلي ملقيين علي الرصيف ولم تري زوجها وهو يصرخ ويحمل تراب الارض فوق رآسه ولم تري الرعب علي وجوه الناس وهم يدركون مصيرها الحتمي وهي تطير متآكدين من موتها عاجزين عن انقاذها ولم تسمع نحيب السيدات التي قادهم حظهم العثر للمرور فوق الرصيف بجوار جثث اطفالها ولم تسمع التفاصيل المآساويه عن المحرقه التي اكلت بدن بقيه السكان محاصرين فوق السطح وقتلتهم موتا بطئيا موجعا والنار تنتشر في اجسادهم واعصابهم ولم تعرف ان سبعه شقق من العقار الفخم قد اكلتها النيران ولم تعرف ان زوجها عاد بلدتهم صامتا ولم ينطق حتي الان ولم تعرف ان الجرائد نشرت صورتها وهي تطير في الصفحه الاولي وان هناك بعض القراء ذرفوا الدموع الساخنه وهم لايعرفوها ولم تتفرج علي البرامج التلفزيونيه التي انتقدت اجهزه الاطفاء والدفاع المدني والتي عجزت عن انقاذ سكان العقار ولم تدرك ان احدا لم يذكر اسمها في اي حديث ومن هي ليتذكرها احد فهي سيده لايعرفها احد ولدت وعاشت وماتت مسلوبه الراي والقرار والقرار الوحيد الذي اتخذته هو القاء نفسها من الدور السابع والعشرين !!!!!!!!

ملحوظه - شب حريق في احد عمارات المعادي منذ عده سنوات وكانت زوجه البواب اسمها " مسلوبه " والقت باطفالها ونفسها من فوق السطح هربا من النيران - هذه هي الحقيقه - اما بقيه القصه فهي من عندياتي مجرد تصورات دراميه لتلك المآساه ...

10 سبتمبر 2008

خيال ساخن ... روايه متميزه لكاتب مبدع متميز !!!!!



قرآت " خيال ساخن " لمحمد العشري ... روايه قصيره ثريه تسرقك من الحياه حولك تختطفك لعوالم غريبه مدهشه كآنك ولجت بوتقه الاساطير الحيه كآنك طرت فوق السحب البعيده كآنك تغوص في اعماق طبقات الارض وازمنتها الجيولوجيه البعيده ، روايه تدهشك بعوالمها الغريبه تاره تحسها منتهي الواقعيه واخري تحسها منتهي الخيال وكثيرا ما يجدل العالمين معا فلاتعرف اين انت ولا تعرف اين ابطالها هل يعيشون معنا في الدنيا ام يحلقون في الاجواء الافتراضيه الخياليه الغريبه ، روايه لا تعرف من ابطالها اهم اناس بشر مثلنا يحبون فيفتنهم الحب ويسلب لبهم الغرام ام كآئنات خياليه تحلق في اطياف الذهن الغريبه يحيون في الخيال ام يعيشون في الواقع ام ان غرامهم قلب عوالمهم الواقعيه لمناطق غير مآهوله الا بمن مثلهم محلق في الانهار الورديه .... غريب محمد العشري ورصيده الخيالي ومفردات لغته الخاصه وثقافته العلميه التي اخضعها لابداعه المحلق ... غريب محمد العشري وعوالمه التي يآسرك بين ضفتيها ويحملك يحلق بك للسماء كآن اجنحته قد التصقت بجسدك ثم يغوص بك في المياه الدافئه يسعدك بحنانها ثم يقذف بك في دوامات الغرام الحميم باناقه وبراعه لغويه وصور خياليه محلقه !!! غريب محمد العشري وعالمه اكثر غرابه فمابين الشجره الصخريه التي لاتعرف هل دبت بها الحياه فعلا ام هي امنيه محمد التي اطلقها في الصفحه الاولي لروايته امنيه تبدو تحققت ومابين الحيوان الخرافي الذي سكن الصخره القديمه واطلق رعبه يآسر اهل البيت ويستبقيهم مقيدين طلقاء فوق مقاعدهم ، مابين التنين الذي خطب في الحيوانات خطابا سياسيا مباشرا يحض علي التمرد ، مابين فيضان المعلومات الجيلوجيه حول وادي الريان وزلازل تشكل القارات بالكوكب ، مابين " جمانه " المحبه الهائمه التي لاتعرفها فتاه طبيعيه محبه ام فتاه خلقت عوالمها الخاصه واختطفت البطل الذي تصورت نفسها تعرفه وهي لا تعرفه لكنها اكتفت بمعرفتها الذاتيه لها تلك المعرفه التي اسعدتها واسعدته واسعدتنا رغم كل عدم واقعيتها او كل واقعيتها فلتحكم انت كيف ستشعر وكيف ستحاكم جمانه ومشاعرها !!! مابين الفتي الصغير الذي انتظر اباه فاتي ولم يآتي ودرس واشتغل وهام علي وجهه وقص اقاصيص التاريخ والماضي وعاش عالم غريب قبيح بالتاجر الذي نسي فنه ورفض حبه لابنته وتمني لها ثريا يبدل الخيال الجميل لواقع كريه ، عاش عالم غريب بالاب الذي تزوج صغيره وربت المنزل لها وله ومات وترك لابنه الشقي اخا صغيرا يحتاج رعايه تقيده وتزيد شقاءه ، ذلك الفتي المحب الذي حلق فوق السحاب وغاص بين طبقات المياه التي راكمها التاريخ وخفق قلبه بحب الفتاه الجميله التي تصورته اخر ليس هو !!! غريب عالم محمد العشري ذلك المبدع الخاص جدا !!! اصدقائي اذا كرهتم الواقع الكريه الذي يطبق علي انفاسنا وضجرتم من كل الصخب المدوي الذي يصم اذاننا وبحثتم عن ملاذ يقوي من عزائمكم وقدرتكم علي معايشه الحياه بكل اطيافها فلتهربوا ل " خيال ساخن " ذلك الكتاب الصغير الذي يحلق بكم في عوالمه الخاصه كآن ثغره فتحت من بين السحب الثقيله الملوثه التي تحتل سماءنا يفيض منها هواء بارد طازج يسعد ملمسه الحميم وجوههكم وقلوبكم المتعبه !!!! شكرا يامحمد فقد اسعدتني لان هذا الوطن مازال ينجب الموهوبين المبدعين !!!!
نشرت الرساله ثم عدت ثانيه اسيره العالم الخاص لمحمد العشري اكتب عن روايته .... تلك الروايه التي اختار لها الكاتب غلافا بسيطا خادعا لا يسرق بصرك لا يجذبك له ، غلاف بسيط لا يوحي لك باي شيء مما ستجده داخل دفتي الكتاب ، غلاف بسيط حيرني لماذا لم تشر يامحمد للعوالم الخاصه التي ستسرقنا اليها ببوابه الطريق الذي ستصطحبنا فيه ، فجوابك لا يبان من عنوانه كآنه قصدت بعض المشقه باثاره الكثير من الفضول عما يضمه ذلك الكتاب الصغير ذو الغلاف البسيط !!!
غريبه جدا عوالم محمد العشري في تلك الروايه التي تحدثك عن البرديات والملكه " حتحتور حسب مااتذكر " والازمنه البعيده والازمنه الغريبه وهيام المحبين وقلوبهم النابضه ، تحدثك عن الحلم والحقيقه والواقع والخيال والبشر والتاريخ والصحراء والجيولوجيا والحب والسمكه الفضيه التي اماتها الزلزال و" العموديه " والقبض علي احد المطاريد والمآمور ودسائس البشر ومشاعرهم المحبه كل هذا مع بعضه فوق بعضه خليط غريب جميل فما تنتهي من الكتاب حتي لا تعرف اين كنت وماذا قرآت وتحسك تحتاج لقراءته مره واثنين !!!

01 سبتمبر 2008

ادونا العاده

حين فتحت باب شقتنا – وانا طفلة صغيرة - ووجدت جدتي لابي امامي تحيط بها الحقائب والصفائح و" قفف " العيش الفلاحي حتي صرخت فرحة وادركت ان شهر رمضان قد هل علينا بايامه ولياليه الجميلة فجدتي لابي رحمها الله عاشت وماتت في منزل الاسرة الريفي القابع في احد القري الصغيرة بدلتا النيل ولم تغادره للاقامة في أي مكان اخر سواء بمنزل أي من اولادها او في حضن أي من بناتها رغم كل الضغط والالحاح المستمرة مبينة للجميع بحسم ووضوح ان منزلها اولي بها ويحتاج اليها وان المنزل مفتوح لمن يرغب في الاقامة معها او الراحه من ارهاق القاهرة او الغضب من الزوج او الزوجه و" اهلا وسهلا بيكم في أي وقت " واكدت انها لن تغادره ابدا الا الي قبرها المجاور له وقد كان !!! وعاشت جدتي قدر ماعاشت متمسكة بموقفها فلم تغيره الا في شهر رمضان من كل عام باعتباره شهرا "مبروكا" يستلزم الجمع العائلي للاحساس بقيمته وفرحته " وهو رمضان يجوز الا باللمة " فكانت تحزم امتعتها وتستأجر سيارة تحمل فيها كل ما اعدته من اطايب المأكل والمشرب من خيرات الريف وصناعته المنزلية من " زتون مخلل ومربي ورد وجزر احمر وسمنه بلدي ومرتة وعيش مرحرح وبيض بلدي وبط وشعرية فلاحي وفطير مشلتت وقشدة صابحة وجبنه دايرة ودقة سمسم ولبن بخيره " وتنزل علينا في القاهرة تقضي معنا كل ايام الشهر الكريم توزع وقتها وحبها وعطائها الفياض وعطاياها وهداياها الوفيرة وحواديتها المدهشة بين منازل ابناءها بالعدل والقسطاط فتقيم لدي كل منهم عدة ايام تمنحهم فيها السعادة والحميمية والحب الجارف و" لمة " العائلة ، وقد كان مقدم جدتي لمنزلنا عيدا فتجلس وسطنا وتجمع حولها بقيه الابناء والبنات والاحفاد والاقارب فيتبدل حال العائلة المنشغل افرادها كل بنفسه ويعم علي ابناءها السعادة والسرور فيتبادلوا الزيارات و" العزومات" والحب العميق ويعيشوا ايام رمضان ولياليه مرحا وفرحا في كنف جدتي التي علمتنا الصلاة والصوم وتلاوة القرأن وسماع ادعية النقشبندي و" الف ليلة وليلة " في الراديو واهم من هذا كله فاضت علينا بذكرياتها قصص وحكايات جميلة عن طقوس رمضان في قريتنا وامسيات المدح النبوي في الدوار واحتفالات خاتمه القرأن واحتساء القرفة الساخنة واعداد موائد الافطار للفقراء وقوافل الاطفال تلهو بالفوانيس و" ادونا العادة " وادعية الفجر وصوت الكروان يشق عنان السماء و" الملك لك لك " ... وهكذا منحتنا جدتي لابي مذاقا خاصا للشهر الكريم وتركت صوتها الرخيم وهي تتلو القرأن يؤنسنا في الليالي الموحشة ومازالت لكزاتها الحانية توقظنا مع دقات طبلة المسحراتي لتناول السحور فنقفز من اسرتنا الدافئة لاحضانها الاكثر دفئا وقد آثرت جدتي لابي وبعد عمر مديد منحت فيه كل من حولها السعادة الحقة الرحيل عن دنيانا في اواخر شهر رمضان في المرة الوحيدة التي بقيت في منزلنا ولم تأتي الينا وكأنها قررت الاحتفاظ لنا في منازلنا برمضان الجميل وكنوز ذكرياتها الجميلة وهاهي السنين مرت وهدمت الاسرة منزلها الريفي وباعت انقاضه وذكرياتنا بالورق البخس فلم يبقي لنا من هذا العالم الجميل الا ذكريات جدتي تؤنسنا وتهون علينا ايامنا نستجلب منها الفرحة والسعادة مع مقدم شهر رمضان و" ادونا العادة !!" ..
من مقاله دفء الذكريات نشر عام ٢٠٠٦
حالو ياحالو ... رمضان كريم ياحالو



حالو ياحالو ... رمضان كريم ياحالو


ماكانت رجلي تدب في منزل جدتي لامي في اليوم الاول من ايام رمضان وانا طفلة صغيرة – في اللحظات الاخيرة قبل انطلاق مدفع الافطار وارتفاع صوت الآذان - حتي اهرع لغرفتها فاجدها جالسة علي سجادة الصلاة ترتدي علي رأسها " الغطفة " البيضاء وتمسك بسبحتها الكهرمانية تتمتم بالادعية فارتمي في احضانها وانام علي قدميها اناشدها " ادعيلي يانينة " مثلما سمعت امي تطالبها كثيرا فكانت تهز رأسها بالموافقة وتربت علي ظهري وتمسح علي رأسي المرة تلو الاخري تلو الثالثة وهي تتلو في اذني بصوتها الحاني ايات القرأن تستعيذ بها من الشيطان الرجيم ومن الحسد والحاسدين ومن الناس "البطالة " فاذا بالخدر يسري في جسدي واكاد انام في "حجرها " وهي " تملس" علي ظهري ورأسي بحنان عذب جميل وتردد بصوتها الحنون الادعية وتقرأ الايات و"المعوذتين" ونكاد نغيب انا وهي عن الوجود متوحدين في عالمها التقي النقي الجميل يحيط بنا صوت الشيخ محمد رفعت الرخيم الجميل ينبعث من الراديو الخشبي الكبير في صالة المنزل يملآ الدنيا وقتها ورعا وتقوي يختلط بصوت جدتي الحاني وادعيتها الصادقة و سرعان ما نفيق علي صوت الآذان عاليا " الله واكبر ... الله واكبر " وعلي صخب ضجة بقيه العائلة ونداءاتها تستدعيها وتفتقدها وهي الام الكبري لكل الاجيال التي تنتظرها في صالة المنزل وحجرة الطعام واكاد اقفز من مكاني استجابة للنداءات اللحوحة فتقبض علي ذراعي وهي تختم ادعيتها و"تملس" علي رأسي للمرة الاخيرة ثم تتركني اخرج من الغرفة وتبقي هي مكانها تصلي ركعات المغرب الثلاث وركعات السنة وتمر علي سبحتها بالادعية للجميع و"الصحة والستر " ثم ترفع " غطفتها " من فوق رأسها وتخرج لعائلتها بابتسامه مشرقة متفائلة جميلة تحييهم وهم جالسين علي مائدة الطعام ينتظروها بشوق ولهفة ترحب بهم " كل سنه وانتم طيبيين ... اتفضلوا ... اتفضلوا .... " فيعم الصخب الجميل المكان وتتدافع الايدي تغرف من هذا الطبق وذاك تتابعهم جدتي بسعادة وحب وترحيب دافيء وكرم حاتمي و " كل سنه وانتم كلكم طيبين " !!! وهكذا تركت جدتي لامي علي اليوم الاول من ايام رمضان بصمتها علي قلبي حنانا دافئا جميلا وايمانا ورعا وحبا جارفا وادعية من القلب الصادق " لباب السما " فاذا ماغادرت دنيانا ورحلت منذ سنوات بعيدة وحين تغيرت الدنيا ومات الاحباء وهجر الاحفاد البيت الكبير لم يعد في الذاكرة لليوم الاول من شهر رمضان الا لمساتها الحانية وصوت انفاسها المتتابعة وتمتمات كلماتها و" ادعيلي يانينة " ....
من مقاله " دفء الذكريات " المنشوره في رمضان ٢٠٠٦ .....