01 سبتمبر 2008

حالو ياحالو ... رمضان كريم ياحالو


ماكانت رجلي تدب في منزل جدتي لامي في اليوم الاول من ايام رمضان وانا طفلة صغيرة – في اللحظات الاخيرة قبل انطلاق مدفع الافطار وارتفاع صوت الآذان - حتي اهرع لغرفتها فاجدها جالسة علي سجادة الصلاة ترتدي علي رأسها " الغطفة " البيضاء وتمسك بسبحتها الكهرمانية تتمتم بالادعية فارتمي في احضانها وانام علي قدميها اناشدها " ادعيلي يانينة " مثلما سمعت امي تطالبها كثيرا فكانت تهز رأسها بالموافقة وتربت علي ظهري وتمسح علي رأسي المرة تلو الاخري تلو الثالثة وهي تتلو في اذني بصوتها الحاني ايات القرأن تستعيذ بها من الشيطان الرجيم ومن الحسد والحاسدين ومن الناس "البطالة " فاذا بالخدر يسري في جسدي واكاد انام في "حجرها " وهي " تملس" علي ظهري ورأسي بحنان عذب جميل وتردد بصوتها الحنون الادعية وتقرأ الايات و"المعوذتين" ونكاد نغيب انا وهي عن الوجود متوحدين في عالمها التقي النقي الجميل يحيط بنا صوت الشيخ محمد رفعت الرخيم الجميل ينبعث من الراديو الخشبي الكبير في صالة المنزل يملآ الدنيا وقتها ورعا وتقوي يختلط بصوت جدتي الحاني وادعيتها الصادقة و سرعان ما نفيق علي صوت الآذان عاليا " الله واكبر ... الله واكبر " وعلي صخب ضجة بقيه العائلة ونداءاتها تستدعيها وتفتقدها وهي الام الكبري لكل الاجيال التي تنتظرها في صالة المنزل وحجرة الطعام واكاد اقفز من مكاني استجابة للنداءات اللحوحة فتقبض علي ذراعي وهي تختم ادعيتها و"تملس" علي رأسي للمرة الاخيرة ثم تتركني اخرج من الغرفة وتبقي هي مكانها تصلي ركعات المغرب الثلاث وركعات السنة وتمر علي سبحتها بالادعية للجميع و"الصحة والستر " ثم ترفع " غطفتها " من فوق رأسها وتخرج لعائلتها بابتسامه مشرقة متفائلة جميلة تحييهم وهم جالسين علي مائدة الطعام ينتظروها بشوق ولهفة ترحب بهم " كل سنه وانتم طيبيين ... اتفضلوا ... اتفضلوا .... " فيعم الصخب الجميل المكان وتتدافع الايدي تغرف من هذا الطبق وذاك تتابعهم جدتي بسعادة وحب وترحيب دافيء وكرم حاتمي و " كل سنه وانتم كلكم طيبين " !!! وهكذا تركت جدتي لامي علي اليوم الاول من ايام رمضان بصمتها علي قلبي حنانا دافئا جميلا وايمانا ورعا وحبا جارفا وادعية من القلب الصادق " لباب السما " فاذا ماغادرت دنيانا ورحلت منذ سنوات بعيدة وحين تغيرت الدنيا ومات الاحباء وهجر الاحفاد البيت الكبير لم يعد في الذاكرة لليوم الاول من شهر رمضان الا لمساتها الحانية وصوت انفاسها المتتابعة وتمتمات كلماتها و" ادعيلي يانينة " ....
من مقاله " دفء الذكريات " المنشوره في رمضان ٢٠٠٦ .....

ليست هناك تعليقات: