29 سبتمبر 2008

النساء كالمدن ... المدن كالنساء ... صفحه من كتاب جغرافيا النساء ..



النساء كالمدن يقف الغريب امام عتباتها راجيا متمنيا لحظات الوصل يقتات الامل الذي يطيل ليله ويقصرساعات نهاره ينتظر الرضا الذي ستمنحه المدينه له فتفتح احضانها تهون غربته المقيته وتهون انتظاره اللعين !! النساء كالمدن تتصور انك تعرفها وانت لا تعرفها ، تتوه في دروبها المعروفه وانت تحمل الخرائط الشارحه لكن دهاء المدن يفوق رغباتك وامنياتك والحاحك وكل عطاءك الذي تعدها به فتراوغك وتحكم اقفالها في وجهك ولا تدعك تيآس فتفر منها فيؤرقها ملل انتظار المحب القادم بل تستبقيك بين كفيها تسقط عليك بعض رحيقها قطرات ندي بارده او تمنحك بعض انفاسها نسائم رقيقه تداعب شوقك الملتهب ينتظر العناق المستحيل بينك وبين المدينه التي تراكم الاغبره فوق وجهها تختبر قدرتك علي الجهد المستمر بلا امل فان يآست تركتك غريبا تائها وان فررت راقبت خطواتك الهاربه وفكرت في مليون طريق لارجاعك لدروبها الملتويه وان غفوت دخلت لك مناطق اللاوعي تروعك بكوابيس الوحده وان استكنت لانتظارها وبقيت مكانك تحلم بها قد تتهور وتفتح لك نافذه صغيره تلقي لك منها ورده مجففه تداعب امنياتك باوراقها الجافه فتمنحك زادا للانتظار وقوه للبقاء امام البوابات وحيدا تتنظر بكل لهفه صوت زقزقه عصافير الجنه التي ستنام في لحظه الحلم فوق كفيك برقه وشوق وحنان !!!! النساء كالمدن قاسيه لاتحنو علي الغريب ولا تهدي التائه ولا تربت علي كتف المتعب ولا تحتضن المهزومين ولا تصفح عن الخائنين الغادرين ولا تثق فيمن لا يثق في نفسه وفيها ولا تمنح اسرارها الا لمن يلح ويلح ثم يعطي ويعطي ثم يحب ويحب ويتحمل كوابيس الليل ولا يستيقظ منها مرتاعا فلا يخاف شوارعها المظلمه ولاغاباتها الموحشه ولا قناديلها المظلمه ولا انطفاء القمر في ليلها ولا حريق الشمس في نهارها ولا ارتفاع موجهها ولا تحاريق نهرها ولا انتفاضات شعرها الغجري المتوحش ، يتحمل الاحلام المستحيله التي لاتتحقق فلا ييآس من ابتعادها عنه ولا يهرب من جفافها معه ولا يتشاجر حين تعطيه ظهرها يلمح بظهره وهو مغمض العينين ابتسامتها الحانيه التي تدخرها له حين سترضي عليه ويلعق بطرف لسانه مذاق سكاكرها التي صنعتها امرآه هرمه تجلس عند بوابه المدينه تنتظر الفارس الذي سيسعد مدينتها وابنة حجرها ويمنحها اطواق الياسمين العطره تزين بها ابراجها العاليه ....... النساء كالمدن ... مدينه لا تعرف لغتها تتوه في شوارعها تحس الغربه تفترسك وانت تقف امام بواباتها لا تفتح لك ضلفتيها ابدا وانت عاجز اخرس لا تعرف سبيل للتواصل معها ولا اختراق غلالات حجبها التي تغريك وتغويك وتثبتك مكانك لكنها لا تمنحك نفسها ابدا .. مدينه لعوب لا تستيقظ الا ليلا لا تراها الا مزركشه بالالوان تسطع بالبريق الزائف نهارها موحش فجسدها يشحب في ضوء النهار ورائحه انفاسها تثير الغثيان ... مدينه حنونه تحسها تكاد تحتضنك بذراعيها تمشي في دروبها امنا كآن ولدت منها وعلي حجرها رائحه احجارها مآلوفه وقصص شوارعها لا تدهشك وظلال اشجارها تتحد وظلال جسدك وترسم غابات طمآنينه تحتويك تخطفك لاحضانها الدافئه .. مدينه لا تحبك مهما فعلت لها لا تمنحك اذنيها تصم قلبها امام طرقات كفوفك اللحوحه تشمئز من رائحه عطرك الجميله تثير اعاصيرها في وجهك تغلق كل نوافذها امام انفاسك تنظر لك شذرا يطاردك في ازقتها رجال الشرطه واللصوص وقاطعي الطريق يروعوك يبعدوك من تحت اسوارها .. مدينه عاقله شوارعها واسعه واشجارها مقلمه ومبانيها منظمه وزهورها تعيش في الصوب وليلها تنيره المصابيح الموفره للطاقه ولا تفتح لك الباب فتطمع ولا تغلقه في وجهك فتيآس ولاتتركك تتجول في دروبها حرا بل تقبض علي يدك تقودك في طرقها الواسعه وتسير بها علي شواطىء بحارها المرسومه في الصور العملاقه وتجلسك علي مقاعدها البلاستيكيه ولا تريحك ولا تنفك تذكرك باهميه العقل وجدوي التفكير الذي يآكل عقلك فتنسي لماذا دخلت تلك المدينه الموحشه بعقلها ... مدينه غجريه مجنونه تزين شوارعها القباب والاضرحه والاعشاب البريه والزهور العشوائيه لاتعرف لونها لكنها تسلب لبك تسمع فيها صوت الجلاجل المدويه ودقات الدفوف الصاخبه وزقزقات العصافير سحب صاخبه فوق اعشاب السافانا الوحشيه مدينه تقبل عليك فتهرب خوفا تمنحك اسرارها فتتواري امام سطوتها وروائح عطورها وشواطئها المجنونه تلقي عليك بالحصي والقواقع والرمال الخشنه تتسلل لجسدك تخدره فتخاف الغيبوبه في حضن تلك المجنونه وتتمني الا تفيق ابدا لكنك في النهايه تفر ضعيفا خائفا هاربا من رغبتك المجنونه للبقاء تلعق قدميها تفر منها يرتعش قلبك من الرغبه في البقاء معها حتي تنسي الزمن والوقت والحياه ذاتها مدينه غجريه مجنونه لا تميز لحظه طفولتها البرئيه من غضبها الجارف من فيضانات نهرها المرعبه من رياح رغبتها العارمه فتهرب وانت نادم لانك قابلتها وعرفتها وفررت منها ولم تبقي ابد العمر نائما في نافوره فيضاناتها .... مدينه موحشه مثل المرآه العاقر التي لا تقبل نصيبها في الحياه فتغلي مراجلها طيله الوقت غضبا تحس هوائها ثقيل ساخن ولزج انفاسها حامضه تقلب معدتك بروائحها الكريهه مبانيها رماديه كمثل سماء السحب المنخفضه في نهار الشتاء البارد تحسها تحاصرك وانت وحيد تمضغ الحسره التي اوقعتك في سكه تلك المدينه التي رحبت بك وهي تكره نفسها فكآنها اختطفتك للعوالم الشريره تلهو بك مع الجنيات الشرسه تكاد تقدمك قربانا علي مذبح الخصوبه الضائعه مدينه موحشه ان اوقعك حظك العثر علي بوابه دخولها لا تطرق الباب واختبيء فالكمائن المنصوبه لك داخل الاسوار اكثر مما تتصور ولا تخدعك ابتسامتها المرسومه فاسنانها صفراء ولا تمد يدك تلمس وجهها المتجعد وانجو بنفسك ... مدينه برئيه كالاطفال التي لم تلوثها سحب النفاق تبتسم في وجههك ترحابا فيسطع قوس قزح في حياتك .. مدينه صغيره كعقله الصباع تكاد تحملها في قلبك وترحل بها بعيدا عن خرائطها فتترك لك نفسها وتخبيء نفسها في جيب بذلته تحت القرنفله الحمراء التي تتزين بها .. مدينه صامته تغزوك بمرض النوم كآنها دست خراطيم سمها في عنقك خدرتك وتركتك للصمت يلتهم حيويتك .. مدينه غاضبه تنتفض احجار شوارعها بالضيق كآن مراجل الحياه قد اوقت تحت اقدامها وتركتها تتلوي من السخونه البغيضه التي لاتحرق الا ثوب ملابسها وملابسك ... مدينه متسامحه فتحت ابوابها للغرباء وابتسمت بادب في وجوههم ومنحتهم اكلها ومشاريبها ونبيذها المعتق وتركتهم ودخلت تنام حتي تقوي علي استضافه بقيه الغرباء في اليوم اللاحق ... المدن كالنساء جميله لكن عاقله ، عجوز لكن حمقاء ، كريمه لكن سريعه الغضب ، صامته لكن حكيمه ، محبه لكن غيوره ، مجنونه لكن متآلقه بالبهاء ، صاخبه لكن متسامحه ، بهيه لكن جدباء ..... المدن كالنساء ... ينتظرن بكل الشوق الرحاله الذي يقف امام اسوارها مقداما جسورا مستعد للموت بكل سعاده من اجل لحظه تماس حقيقيه !!!!!!! المدن كالنساء تنتظر وتنتظر وتتمني دائما الا يطول انتظارها لقدوم المحبين ....... !!!!!!

ليست هناك تعليقات: