حين فتحت باب شقتنا – وانا طفلة صغيرة - ووجدت جدتي لابي امامي تحيط بها الحقائب والصفائح و" قفف " العيش الفلاحي حتي صرخت فرحة وادركت ان شهر رمضان قد هل علينا بايامه ولياليه الجميلة فجدتي لابي رحمها الله عاشت وماتت في منزل الاسرة الريفي القابع في احد القري الصغيرة بدلتا النيل ولم تغادره للاقامة في أي مكان اخر سواء بمنزل أي من اولادها او في حضن أي من بناتها رغم كل الضغط والالحاح المستمرة مبينة للجميع بحسم ووضوح ان منزلها اولي بها ويحتاج اليها وان المنزل مفتوح لمن يرغب في الاقامة معها او الراحه من ارهاق القاهرة او الغضب من الزوج او الزوجه و" اهلا وسهلا بيكم في أي وقت " واكدت انها لن تغادره ابدا الا الي قبرها المجاور له وقد كان !!! وعاشت جدتي قدر ماعاشت متمسكة بموقفها فلم تغيره الا في شهر رمضان من كل عام باعتباره شهرا "مبروكا" يستلزم الجمع العائلي للاحساس بقيمته وفرحته " وهو رمضان يجوز الا باللمة " فكانت تحزم امتعتها وتستأجر سيارة تحمل فيها كل ما اعدته من اطايب المأكل والمشرب من خيرات الريف وصناعته المنزلية من " زتون مخلل ومربي ورد وجزر احمر وسمنه بلدي ومرتة وعيش مرحرح وبيض بلدي وبط وشعرية فلاحي وفطير مشلتت وقشدة صابحة وجبنه دايرة ودقة سمسم ولبن بخيره " وتنزل علينا في القاهرة تقضي معنا كل ايام الشهر الكريم توزع وقتها وحبها وعطائها الفياض وعطاياها وهداياها الوفيرة وحواديتها المدهشة بين منازل ابناءها بالعدل والقسطاط فتقيم لدي كل منهم عدة ايام تمنحهم فيها السعادة والحميمية والحب الجارف و" لمة " العائلة ، وقد كان مقدم جدتي لمنزلنا عيدا فتجلس وسطنا وتجمع حولها بقيه الابناء والبنات والاحفاد والاقارب فيتبدل حال العائلة المنشغل افرادها كل بنفسه ويعم علي ابناءها السعادة والسرور فيتبادلوا الزيارات و" العزومات" والحب العميق ويعيشوا ايام رمضان ولياليه مرحا وفرحا في كنف جدتي التي علمتنا الصلاة والصوم وتلاوة القرأن وسماع ادعية النقشبندي و" الف ليلة وليلة " في الراديو واهم من هذا كله فاضت علينا بذكرياتها قصص وحكايات جميلة عن طقوس رمضان في قريتنا وامسيات المدح النبوي في الدوار واحتفالات خاتمه القرأن واحتساء القرفة الساخنة واعداد موائد الافطار للفقراء وقوافل الاطفال تلهو بالفوانيس و" ادونا العادة " وادعية الفجر وصوت الكروان يشق عنان السماء و" الملك لك لك " ... وهكذا منحتنا جدتي لابي مذاقا خاصا للشهر الكريم وتركت صوتها الرخيم وهي تتلو القرأن يؤنسنا في الليالي الموحشة ومازالت لكزاتها الحانية توقظنا مع دقات طبلة المسحراتي لتناول السحور فنقفز من اسرتنا الدافئة لاحضانها الاكثر دفئا وقد آثرت جدتي لابي وبعد عمر مديد منحت فيه كل من حولها السعادة الحقة الرحيل عن دنيانا في اواخر شهر رمضان في المرة الوحيدة التي بقيت في منزلنا ولم تأتي الينا وكأنها قررت الاحتفاظ لنا في منازلنا برمضان الجميل وكنوز ذكرياتها الجميلة وهاهي السنين مرت وهدمت الاسرة منزلها الريفي وباعت انقاضه وذكرياتنا بالورق البخس فلم يبقي لنا من هذا العالم الجميل الا ذكريات جدتي تؤنسنا وتهون علينا ايامنا نستجلب منها الفرحة والسعادة مع مقدم شهر رمضان و" ادونا العادة !!" ..
من مقاله دفء الذكريات نشر عام ٢٠٠٦
هناك تعليق واحد:
رمضان زماااااااااااااااان
رمضان كريم
إرسال تعليق