للمطارات رائحه خاصه جدا ....ربما رائحه الهواء الصناعي الذي يضخوه فيها طيله الوقت .. هواء له رائحه حديديه يغلق حويصلاتك الهوائيه حين يتسلل لرئتيك وانت محتجز داخل المكان الضخم الكبير لاتملك التنفس الا بالهواء الحديدي الذي يمنحه لك !!!
ربما رائحه النظافه المبالغ فيها الي الحد الذي يفقدك الاحساس بالتواصل مع المكان ويحرمك من الالفه معه فهو مكان نظيف بافتعال مستمر يرش بالمطهرات والمبيدات والمواد الكيميائيه فيؤكد عليك احساسك بالاغتراب عنه فليس فيه ذره واحده من رائحتك ولن يكون ,هو مكان صناعي مزيف هواءه حديدي مختلط بالنظافه المفتعله يذكرك دائما بغربتك عنه !!!
ربما رائحه المسافرين المتوترين لاسباب مختلفه اهمها انهم سيركبون ذلك الجسم الحديدي الطائر لايعرفون هل سيحط علي الارض ثانيه ام انهم ذاهبين لاقدارهم الحتميه , ربما رائحه المودعين الذي يودعون احبائهم بدموع معلقه في الاعين لاتسقط فهذا مسافر للدراسه وياعالم حيرجع امتي ومين يعيش , وهذا مسافر للعلاج من مرض او عرض خطير لايقوي طبنا المتواضع علي علاجه او لان حالته ميئوس منها فلا مفر من تجربه طب الاخرين , وهذا مسافر للعمل في بلاد الغربه والقهر والكفيل ويلعن ابو الظروف السودا اللي جبرته علي الغربه , وكل مسافر يرحل عن احباءه ويتركهم خلفه لايعرفون مالذي تخبئه لهم جميعا الايام , هذا غريب قادم من مكان بعيد ذاهب لمكان ابعد والمطار بالنسبه له محطه بين غربتين يترك طائره وياخذ اخري المطار بالنسبه له مجرد " فصله" بين طريقين , وهذا قادم من بلاد غريبه لبلاد غريبه ويدخلها من بوابه الترحال والاغتراب , مطارها الدولي !!!
المطار مليء بروائح البشر الغرباء المتوترين , رائحه هؤلاء المسافرين والمودعين و الادرنالين الذي لايكف عن التدفق في دمائهم وقطرات العرق المنبثقه من خلايا جسدهم وكفوف ايديهم , هذا كله يختلط مع بعضه ويمنح المطارات تلك الرائحه الخاصه جدا , ربما رائحه البنرين والكيروسين وشحم السيارات التي لاتكف عن الحركه خارج المطار تنقل ركاب وحقائب وبضاعه من والي جسد الطائره , ربما رائحه القهوه والشاي والوحده والغربه , كل هذا يختلط مع بعضه ويمنح المطارات كل المطارات رائحه خاصه جدا اكرها جداجدا للاسف !!!!!!!!!!!!!
اكره المطارات مهما كان المبرر الذي ادخله بسببه , ربما مسافره للعمل وحيده قلقه علي بناتي , ربما مسافره معهن للسياحه والسعاده , ربما مسافره للعمره , ربما مسافره لعلاج ابنتي ... ربما اذهب المطار لاودع ابي المسافر لعمليه خارج مصر , ربما اذهب للمطار لاستقبل ابنتي عائده من كورس تدريبي , ربما اذهب اوصل احد اصدقائي المسافر للدراسه , ربما اذهب استقبل صديقتي الحبيبه بعد طول غياب !!! هذا كله لا يفرق , اي ماكان السبب الذي ادخل فيه المطار سواء داخل مصر او خارجها , في اوربا باريس جينيف لندن في الصين في الكويت في الجزائر في النمسا في انجلترا في الفلبيين , هذا كله ليس مهم كنت ومازلت اكره المطارات , لم تنجح اي رحله من رحلاتي الكثيره ان تصالحني علي المطار ذلك المكان المصمم اساسا للرحيل والوداع والدموع , ففكرته ذاته مكان بارد لاينتمي اليه احد , الجميع فيه غرباء ذاهبين او عائدين جميعهم لايفكروا الا ان يخرجوا منه بسرعه ويرحلوا خارج بواباته البارده , هذا المكان فكرته لاتعجبني , مكان خصص للوجع للغرباء لتنظيم الرحيل والغربه !!!
اكره الاماكن البارده التي لاتمنحك ألفتها والمطارات هي اكثر الاماكن بروده , اكره الاماكن المؤقته التي لاتحتفظ بانفاسك بين جدرانها تستقبلك وتودعك ونوافذها مفتوحه تغير هواءها طيله الوقت والمطارات هي اشد الاماكن تأقيتا فانت تذهب اليها لترحل وهي تستقبلك لتودعك , اكره الاماكن المصطنعه التي لاتملك ابدا تاخذ راحتك فيها فيها شيء مزيف متوهج بالكذب , هذه هي المطارات تبتسم كانها تحبك وهي لاتعرفك ولاترغب في معرفتك كل ماتطمح فيه ان تسلبك اموالك لاسباب ومبررات مختلفه انها تخدعك كالعاهره تدعي الحب والسعاده حتي تسلبك بقيه نقودك التي تخبئها تحت جلدك وانت عاري , اكره الاماكن المغلقه المحكمه والمطارات هي اكثر المناطق احكاما لاتملك الخروج او الدخول الا بموافقه رجالها وباختام واوراق رسميه ونظرات شك ونظرات ريبه , انت في المطار في قبضه من يبحث عنك في قبضه من لن يدعك تذهب في قبضه من يشك فيك من يتربص بك انت في قبضه الاحكام الخانق كل حركاتك بحساب ومحسوبه عليك , اكره الاماكن الكاذبه التي يبتسم كل روادها للاخرين ابتسامات كاذبه شكليه من فوق الشفتين وفقط للايحاء لهم بانك مرحب بك واننا كنا ننتظرك كمثل الملاهي الليليه التي يبتسم فيها القوادين والبلطجيه وبنات الليل للزبون الذي يفكر كل واحد منهم فيه بطريقه مختلفه لكن الابتسامات المزيفه واحدة ...
ربما بدأت كراهيتي للمطار وقت ذهبت في الستينيات طفله لاودع عمتي وطفلها المسافرين للخارج لعلاجه من مرض نادر وعادت عمتي وعاد معها جثه اوشكت علي الرحيل وبكينا ونحن نودعهما وبكينا اكثر ونحن نستقبلها !!! ربما كرهته اكثر حين ذهبت في الثانيه عشر اودع ابي الذي سافر للعمل في احدي دول الخليج وقتها بكيت واعتصرني الحزن لاافهم لماذا يرحل ويرتكنا وكنت احبه وافتقده قبل رحيله واحسست المطار وحشا عملاقا يقتلع ابي من احضاننا وغاب ابي خمسه سنوات وعاد وبقي المطار وحشا لااحبه !!! ربما كرهته اكثر حين سافرت ازور ابي ومعي شقيقتي الاصغر وكنت في الرابعه عشر وهي في العاشره وسافرت معها وحيدتين وقبضت علي كفي تخاف الضجيج والزحام والافلات مني وقبضت علي كفها استشعر مسئوليه عنها واحسستنا صغيرتين بين الاقدام العملاقه ينظر لنا الجميع نظرات تعجب يكاد يسألنا لماذا تسيرا وحدكما كانه ينتظر منا ان نقص عليه تاريخ حياتنا وصمتنا وسافرنا وعدنا وبقيت اكره المطار المكان العملاق الذي يشعرني بالضأله والتوهه , ربما كرهته اكثر حين عدت من تلك الرحله فوجدت امي تنتظرنا تتشح بالسواد وكانت اختها قد اختارت اسبوع سفرنا القصير لتموت فيه شابه في ربيع عمرها دون ان تودعنا واغلق المطار حلقاته علي قلبي اخرج منه دامعه واعود اليه دامعه وتتعدد الاسباب لكن الدموع وفيره فياضه كثيره !!!
اكره المطارات لكني مجبره علي التعامل معها والذهاب اليها والخروج منها , وهذا في ذاته يكرهني فيها اكثر واكثر , فكثيرا ماتكره مكان فتقرر الا تذهب اليه ثانيه , تكرهه وتقاطعه وتقسم براس الغاليين الا تطئه قدمك ثانيه , لكني مع المطارات لااقوي علي تلك القطيعه ولا ذلك الخصام , مع المطارات اكرهها واجبر مرارا وتكرارا علي التعامل معها و الاختناق كرها برائحتها السخيفه و متابعه الاوجه المرهقه والاجساد المتعبه , اتأمل جبرا الدموع الجافه في العيون والابتسامات المرسومه علي الاوجه والهروله التي يجبر عليها جميع المرتادين بين وداع ورحيل ولحاق بالطائره والبحث عن بوابه الخروج , مجبره علي التعامل مع المطارات وانا اكرهها فاكرهها اكثر !!!!!!!!!!
ورغم اني سافرت كثير جدا وسافرت لاطراف الارض ومدنها البعيده ودخلت مطارات كثيره مزدحمه انيقه متأنقه صامته صاخبه , وسافرت لوحدي احيانا ومع بناتي احيانا ومع صديقاتي احيانا , سافرت سياحه وسافرت للعمل وسافرت العمره وسافرت للمؤتمرات وتغير كل شيء الا اني اكره المطارات !!!!!!! اكرهها جدا ومازلت اكرهها !!!!!!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق