نعيش في نفس المدينه الكبيره الصاخبه ، تقتلنا فيها العوادم والتلوث والصخب القاتل ، نستيقظ في نفس الصباح وننام في نفس الليل ، ربما تشرق الشمس عليك ابكر مني ثانيه لكن القمر يبقي في شرفتي اكثر من نافذتك ثانيه ، ربما تتوضآ لصلاه المغرب وانا انهي صلاتي ، ربما تستيقظ حتي الفجر في رمضان لكني افيق من نومي والحقك في الركعه الثانيه ، نشتري نفس الصحف ونكره نفس الاخبار ونسخر من كل الاكاذيب والزيف ونضحك علي نكته قديمه قالها احد العابرون في ميدان انا اخرج منه وانت تدخله ، نشجع نفس فريق الكوره واصفق انا حين يدخل جونا في خصمه وانت تصرخ بفرحه حتي تتحشرج الفرحه في صدرك ، ربما كانت خالتك تسكن في ذات العماره القديمه التي كانت تسكن فيها عمتي ، ربما امي مدفونه في نفس المدفن الذي ترقد فيه امك ، ربما نذهب للحسين نبحث عن طمآنينه القلب فاقف بجوار الضريح ادعو وانت تبحث عن حذائك الذي تركته علي باب الجامع حين دخلت ، ربما نقف علي رصيفين متقابلين اشرب انا عصير قصب في يوم قائظ و تجلس انت علي المقهي تتلذذ بحبيبات البن الخشنه التي تمضغها استمتاعا ، ربما شاهدنا نفس الحادثه التي ماتت فيها السيده العجوز حين عبرت الطريق فجآ حين كنت انت في الاتوبيس الداخل للموقف وكنت انا في الاتوبيس الخارج لتوه منه !!!! نستيقظ فزعين حين يعبر قطار الليل يصرخ مدويا ، وقتها اتذكر امي وابكي واقرآ لها الفاتحه وتتذكر انت ليالي الحرب الزرقاء وصفارات انذارها وتقرآ الفاتحه لابو صديقك الذي استشهد وتركه صغيرا ، ربما نقف امام مقله اللب معا انا اشتري لب اسمر وانت تشتري حمص لابنه اخيك ويمنح كل منا ظهره للاخر ، ربما وقفت انا امام باب السينما اشاهد صور الممثلين انتظر خروج جمهور الحفله السابقه الذي تندس بينه تمسح دموع تآثرك بمشهد النهايه ، ربما كنت احدق في المركب الشراعي الجميل الذي يتبختر في النيل وقت الغروب وكنت انت تجلس فيها مستمتعا بهدهده النيل لجسدك المرهق تحدق في الشط نصف نائم ...
نعيش في نفس المدينه الكبيره الموحشه المتوحشه ، تجرح عيوننا نفس المناظر الموجعه ، طفل صغير يستجدي العطف والشفقه والجنيه في اشاره المرور ، عجوز نصف ميت ملقي علي الرصيف يعف عليه الذباب غائب عن الوعي لايجد مايستحق ان يفيق له ، جبل قمامه كبير ينشر روائحه الكريه في صدور الجميع ، رجل شرير يعذب قطه ويضربها بقدمه ويضحك ، امرآه لعوب تعرض جسدها العجوز علي الماره في وسط النهار ، سيده قبيحه بشعر احمر مثل شواشي الذره ، رجل يعلق عشرات النياشين المعدنيه ويقف في اشاره المرور يصرخ في السائقين ، طفل يمسك اخر من شعره ويضربه بقسوه حتي تسيل الدماء من انفه ، رجل سافل يتحرش بامرآه منقبه لايحترم خصوصياتها ، سائق تاكس يسرق الراكب وياخذ بقيه العشره جنيهات ويجري ، طفل انيق يبكي فزعا لايجد مربيته الاجنبيه التي تركته ودخلت بير السلم في احد العمارات القديمه تبحث عن قبله شارده يتوق لها سايس الجراج المراهق ، رجل عجوز يبكي علي الارض بعد ان ارتطم به شاب صفيق ونشل محفظته وساعته الاثريه ، فتاه محبه تقف تلمع الدموع في عينها تنتظر الحبيب الذي وعدها ياتي لكنه يغط في نومه لايكترث بالتعليقات السمجه التي تسمعها من الماره في الشارع ، امرآه هرمه تنقب في كوم الزباله تبحث عن لقمه عيش ، طفل صغير يحبو بين السيارات لاتكترث بحياته المرآه التي استآجرته وسيله موجعه للشحاته ، رجل انيق يسير في الشارع بعجرفه ويتشاجر مع نفسه ويصرخ مع اشباحه كآنهم سيقتلهم ويضحك علي منظره بعض الماره قساه القلوب !!!!
نعيش في نفس المدينه الرقيقه الحنونه ، ترق قلوبنا ونفوسنا لذات المشاعر الحميمه المبعثره حولنا ، فتاه وشاب صغير يقفا علي سور الكوبري يتناجيان ، رجل يقف فجآ بسيارته يمنح سيده عجوز بعكازها وساقها المريضه فرصه انسانيه لعبور الطريق ، مجموعه فتيات جميلات يضحكن بصخب وفرحه وقت خروجهن من المدرسه ، مظاهره حب ترفع اعلام الوطن يهتفون باسمه حين كسب فريقهم القومي مباراته وحصل علي البطوله ، بائع خضار ينادي علي بضاعته بصوته العذب بنغمات محببه للقلب ، صوت الربابه وعازفها يطوف الشوارع يغني ينتظر تقديرا لفنه ، بائعه الفل علي كورنيش النيل تبتسم في وجه الاحبه تغريهم بعقودها العطره ، فتاه صغيره تجري لحضن ابيها وهو خارج من السجن ، زوجه وفيه تجلس بجوار زوجها المريض تبتسم في وجهه رغم حالته الميؤوس منها تشجعه علي المقاومه ، شاب يقود سيارته ويختطف خلسه قبله من الفتاه الجميله التي تجلس جواره ويحبها ولايجد مكانا يعبر لها عن حبه ويرتوي من حبها ، زوجه تنتظر زوجها الغائب في المطار وحين تراه تلقي بنفسها بين احضانه وتبكي شوق الغياب الطويل ، مجموعه اصدقاء يجلسوا تحت سفح الهرم يتضاحكون ، زفه عروسه يزينها فتيات جميلات نضرات يخرجن من عند الكوافير يرقصن ويطبلن ويزغرطن ، رجل طيبه يصطحب زوجته الحبيبه ويجلسا فوق الكوبري يشربا حاجه ساقعه ويضحكا !!!
نعيش في نفس المدينه الكبيره الصاخبه المزدحمه الموحشه المتوحشه الرقيقه الحنونه ...... نتوه بين العشرين مليون مواطن الذين لانعرفهم ... نشبههم ولانشبههم ... نتكلم لغتهم بلهجتنا الخاصه ، نشعر مشاعرهم بطريقتنا المميزه ، نتوه بين العشرين مليون مواطن اللذين لانعرفهم ... قد نكون الان بالذات نسير في نفس الشارع ، ربما نجلس علي مقعدين متجاورين في نفس قاعه السينما ، ربما اقف امامك في طابور الاسانسير في احد البنايات الكبيره ، نلتقي في احد المحلات اشتري هديه لابي وتشتري هديه لصديقك ، ربما سبقتني وصعدت السلم قبلي في احد المصالح الحكوميه ، ربما نسير في نفس الشوارع المزدحمه ، نعبر نفس الكباري ، نستنشق نفس الهواء يخرج من رئتني يدخل رئتيك ، نشعر في ذات اللحظه باشعه الشمس الحارقه ، يداعبنا في نفس الثانيه ضوء القمر الحاني ، نفتح الراديو مصادفه ونغير في المحطات ونقف معا علي نفس الموجه نسمع نفس الاغنيه وتتسلل كلماتها لنفوسنا تطربنا ، نموت مللا في اشاره مرور مزدحمه من الاشارات الكثيره التي تشل مدينتا ، ربما ادخل من الباب الشمالي لحديقه الحيوان وانت في ذات اللحظه تخرج من بابها الجنوبي ، ربما احدق في النيل ليلا وانت تشتاق اليه ، ربما تجلس في احد البارات وحيدا وانا امر امامه اسال نفسي لماذا لاادخله ، ربما نشاهد نفس الفيلم في التلفزيون وابكي انا تآثرا وتضحك انت سخريه من نفس المشهد ، ربما ننام كل منا في وقت من الليل ، لكنها لحظه واحده التي نستيقظ فيها نشعر عطشا ووحده ، ربما تحب الياسمين واحب انا الفل ، لكن كلانا يحب زهره اللارنج ورائحه النعنان وثمره الجميز وانين الناي ودعاء الكروان ...
نعيش في نفس المدينه الكبيره الصاخبه ، لااعرفك ولاتعرفني ، لم نلتقي ابدا ، وربما لن نلتقي ابدا ، لااعرفك ولا تعرفني ، لكني اعرف انك موجود ، اعرف ان تشاركني الهواء والصخب والفرحه والهم ، ااعرف انك رومانسي مجنون متمرد غاضب طيب حنون مثلي ، اعرف انك موجود تبحث في كل الوجوه عني مثلما ابحث في كل الوجوه عنك ، اعرف انك موجود تفكر في كما افكر فيك ، لاتستمتع بوقتك الا في حضوري تنتظري ولا اسعد بوقتي الا في حضورك اناديك ، اعرف انك موجود اقاسمك احلامي البسيطه ، ساذهب لجزيره البط معك في حديقه الحيوان وستشتري لي سميط وجبنه ، سادعوك لحفل افلام الكارتون في سينما مترو وتعزمني علي ايس كريم ، سنسير في شوارع القاهره القديمه انت تحكي وانا اسمع ، سنذهب لحفل فلكوري راقص ساصفق وانت ستصفر وسنضحك ، ستشتري لي كل عقود الفل مع البائعه العجوز وسامنحك كل وردات القرنفل التي يطارد بها الصبي الشقي العشاق علي الكورنيش ، سنذهب لمباره كوره في الاستاد ونسب الحكم حين ينحاز ضد فريقنا ، سنذهب للاوبرا مرتدين ااشيك ملابسنا نستمتع بفن لانفهم كلمات اغانيه ، سنرقص في الشارع علي نغمات الدي جي مع عروس نحبها وعريس نتمني له الخير ، سنجلس في الظلام صامتين لانحتاج كلام ولا ننتظر شرح ، وقتها كل ماستشعر به ساشعر به ، وكل مااحب اقوله ستفهمه وكل ماتحب قوله ساشعر به ، اعرف انك موجود كما تعرف اني موجوده ، سابكي بين يديك مطمئنه واثقه من فهمك وستتشاجر مع الدنيا امامي براحتك وعلي طبيعتك ، ستشاركني رقصي واشاركك فرحتك ، سنصغي لاحد الالحان المؤثره ولن نخفي ملامح ضعفنا عن بعضنا البعض ، سنضحك بصوت صاخب لا نكترث باراء الناس فينا ، سنسير كثيرا في الزحام وحين نتعب سنجلس علي الرصيف ونمد ساقينا امامنا ونسخر من انفسنا ومن نظرات الناس لنا ونضحك عليهم وعلينا ....
اعرف انك موجود ، وسط الزحام وسط البشر وسط الوجوه الغريبه وسط النفوس المتعبه وسط الارواح الشارده وسط الضحكات والدموع والهم والبهجه وسط الرقص والعويل والضحك والنواح والغضب والسماحه ، اعرف انك موجود ، ستظل طرقنا تتقاطع وملامحنا تتشابهه وارواحنا تقترب وافكارنا تتماس ولا نلتقي الا تحت سماء تلك المدينه الصاخبه !!! وفي يوما ما ساجدك امامي انسان لم القاه ابدا لكني اعرفه جيدا ، اعرفه قبل اولد وقبل اوجد وقبل ان تخلق دنياي وحياتي ، ساجدك امامي ونس وطمآنينه وراحه وحلم ، ساجدك امامي وجها مالوفا ونفس طيبه تااااهت كثيرا حتي حطت علي كفي ونامت !!!
وحتي ياتي ذلك اليوم اطمئنك علي حالي.... انا سعيده انك موجود رغم انك مش موجود !!!!!!
هناك تعليق واحد:
أنت جميلة
جمال روحك اكاد المسه من بين الكلمات
حديثك رائع عن الوحدة المقترنة بالامل والرغبة في في وجود ذلك الشريك الذي تأنس اليه الروح
انه موجود ويحيا فقط هو الانتظار والاطمئنان للقائه ذات يوم
إرسال تعليق