كتب نجيب محفوظ منذ سنوات بعيده رائعته " المذنبون" تلك الرواية التي تحولت لفيلم سينمائي صادم موجع حلت فيه الكاميرا محل المشرط الجراحي الذي فتح جرحنا الاجتماعي المتقيح فاخرج صديده ورائحته العفنه في الهواء فاحتل انوفنا وصدورنا وكبس علي انفاسنا حيث عرانا الفيلم وكشف بجراءة وقوة عن آثام المجتمع المزيف الكاذب وفضحه حين عرض زمرة من النماذج البشرية المنحرفة مستهدفا – رغم الوجع والايلام المقصود – افاقة المجتمع من سباته العميق وتنبيه لمشاكله العميقة المتوارية تحت السطح كالسوس ينخر في بدن الوطن ولو كان التنبيه باسلوب الصدمة الكهربائية المباغته ... والحق ان الفيلم كان غريبا عن افلامنا المألوفة والتي اعتدنا علي احداثها التي تعرض قصه حب معقدة ابطالها رجل وسيم وسيدة جميلة لاتنتهي احداث الفيلم الا بزواجهما السعيد و" توته توته فرغت الحدوته " ..... والحق ايضا ان الفيلم كان جرئيا فشاهدنا ابطاله نماذج منحرفة وسمعنا علي لسان ابطاله عبارات مخجلة لم تعتاد آذاننا علي مثلها فارتبك المتفرجون ارتباكا رهيبا وانتفضوا غاضبين ليس انكارا للانحراف بل غضبا من اظهاره ولان الرواية قوية ومباشرة ولان الفيلم نفخ في ابطالها المنحرفين الروح فاذ بهم يتحركون امامنا علي الشاشة بوضاعتهم وخستهم وانحرافهم العمدي المشين مما صدم المتفرج الجالس مكانه في ظلام قاعات العرض الذي احس كأنه تعري امام الجمهور الغريب بلا رحمه من صناع الفيلم وممثليه الذين رأوا سلوكه المنحرف الذي تصوره سريا دفينا لايعرف اغواره احدا ولايراه احد وانتاب ذلك المتفرج الخجل من الجراءة السينمائية التي عرضت صورته الوضيعة علي الشاشة بلا خجل من وضاعتها وبلا تجميل لقبحها والاخطر ان تلك الرواية والفيلم صدموا المتفرج البريء الذي لايشغل رأسه بما يدور حولها مكتفيا بالانكفاء داخل تفسه يبحث عن لقمه عيش صعبة فاذ به يفيق من انكفاءه علي نفسه امام مجتمع فاسد يتنفس شخوصه هواء ملوث فيصيبه الفزغ من شكل ذلك المجتمع الذي يعيش فيه ولايعرفه ولايتصور – مهما شطح خياله – قدر القبح والفساد والانحراف المهين الذي يظلل سماءه ، فاذا بالمتفرجين المنحرف الغاضب من كشف انحرافه والبريء المصدوم من قدر انحراف الاخرين ولايرغب في تصديق قدر وضاعتهم ، اذا بالاثنين يصرخا غضبا في صناع الفيلم ومؤلف روايته وممثليه يعاتبوهم علي الصدمة التي القوها فوق رووسهم ويعاتبوهم علي كشف عوراتهم ويعاتبوهم علي فضح احوالهم ولم يكتفي الكثير من المتفرجين بالعتاب والغضب بل تمادوا في غضبهم الشخصي ومنحوه بعدا وطنيا وقرروا ان ذلك الفيلم – الذي صدمهم واوجعهم – يشهر بالوطن ويسيء لكل ابناءه ويمكن كارهي الوطن وهم كثر النيل من سمعته ويمنح اعداءه اسلحة التشهير والفضائح التي اعدت بايدي مصرية وعلي الصراخ اكثر واكثر " الحفاظ علي سمعه مصر " وارتبك الجميع وقرروا التضحيه بالبعض علي مذبح الفضيله والدفاع عن سمعه مصر فكانت القضيه الشهيره باحاله النقباء " ممن يملكوا حق اجازه الفيلم فنيا " للمحاكمه التآديبيه باعتبارهم اخطئوا في عملهم وصرحوا بعرض الفيلم الذي يسئ لسمعه مصر !!! وانتهت القضيه وعوقب الرقباء فتشددوا في وجه المبدعين وفرضت الرقابه قيودها الاعنف علي الفن السينمائي وصارت تهمه الاساءه لسمعه مصر هي التهمه الجاهزه لمحاصره الجراءه والابداع الفني و...... نسي الجميع المذنبون وقدر الانحراف الرهيب الذي ينخر في بدن الوطن كالسوس وتركوهم - في الظلام - يآكلون مصر وسمعه مصر واهل مصر ولم يكترث احد !!! المهم " الا نعرض غسيلنا الوسخ علي الاخرين " !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق