07 نوفمبر 2008

محطات الرحيل .... و.. الغربه .......




عندما اضاءت الاشارة الحمراء ورن معها الجرس الصغير ، اعتدلت في مقعدي الوثير ابحث بين النوم واليقظة عن حزام المقعد وباصابع مدربه التقطته ولففته حول وسطي والقيت برأسي ثانيه للخلف و عدت لاحلامي يعوقني عن الاستغراق
فيها ، صوت ضجه المحركات وصوت الفرامل ،وما ان صمتت الضجه وقبل ان اعود لاحلامي الجميلة ثانية ، كانت الاضاءة قد غمرت كابينه الطائرة ليغادرني النوم الي حين وانتبه وجميع الركاب علي صوت ممضوغ ينبعث من سماعات هامسه لا اسمعه كله يؤكد لي انني قد وصلت ثانيه الي واحدة من محطات الرحيل والغربة .. ومحطات الرحيل والغربه لم تكن فقط سفر للبلاد البعيده الغريبه التي لااعرف ناسها ولا اطمئن اليهم فمحطات الرحيل والغربه بدآت منذ اللحظه التي ادركت فيها وانا صغيره ان منزلنا تخيم عليه سحب الشجار المستمره تمطر هما يلازم امي ويحتل نفس ابي ، وقت ادركت ان السكينه التي زارت منزلنا رحلت وغادرتنا وتركت مكانها الوحشه محتلا بغيضا لا يفارقنا ابدا ، وقتها رحلت من المنزل بعقلي وقلبي واحاسيسي ، ظللت احبهم لكني لا انتمي لهم لا يعجبني شجارهم ولا احب ملامح الهم التي ترتسم علي وجوههم ولا اطيق صمت القبور الذي يخيم علي لقاءتهم العابره في اروقه المنزل ولا اتحمل اجواء التربص والترصد التي تخبيء سكاكين النحر المسنونه خلف ظهورهم ينتظر كل واحد منهم للاخر خطآ ربما غير مقصود لتعد حلبه القتال فلا نسمع في المنزل الا صراخ الغضب وانين الالم وكلمات المعايره وبكاء الحزن و...... ارحل اكثر واغترب اكثر وافر من حلبات المصارعه التي تتقاتل فيها الديوك المتوحشه بحثا عن نصرا دمويا موجعا ، ارحل واغترب بحثا عن مقعد مريح انام تحته مطمئنه و........ويضيع عمري وسنواته ابحث عن ملجآ امن لا يزيد همومي و ولا يؤكد وحدتي وبعد سنوات وسنوات ادركت وبعد مرور الوقت ادركت انني احمل الغربه والرحيل في نفسي لا يغادروني ولا اغادرهم و........ حين تزوجت وانا في السنه الاخيره للجامعه تصورتني عثرت علي المنزل والملجآ والطمآنينه ورشقت لوحاتي الملونه علي الحيطان وزينت الموائد بالورود النضره واشتريت كل الاطباق المزركشه واعددت مائده العشاء واشعلت شموع الحميميه تعكس اشعتها علي الورود الزاهيه ورفعت صوت الموسيقي الهادئه لتسرقني لعالم الطمآنينه التي كنت ابحث عنه لكن حلبات المصارعه سرعان ما تسربت من تحت عتبه الباب ودخلت تحتل منزلي ترمي زهوري وتطفيء شموعي وتخرس موسيقاي وتنزع لوحاتي من فوق الحوائط وتلقيها وكل مااحبه في صناديق القمامه الحديديه البارده ، حلبات المصارعه دخلت حياتي رغم عن انفي وعشت داخلها اعاني من كل الوحشه التي فررت منها فعادت لي وبمنتهي القوه وحين تعالي صراخي تذكرت صراخ امي وحين دفنت راسي في المخده ابكي شممت رائحه عطر امي فوق ذات المخده وحين نظرت في المرآه لا اصدق ان تلك السيده العجوز ذات العيون الحمراء هي انا لمحت وجه امي فوق المرآه غاضب ساخط حانق محتقن مثل وجهي ، وحين انطلقت الكلمات الموجعه من فم الرجل الذي تصورته اماني حين انطلقت كلماته توخز قلبي ادركت مثل امي انه لن يكون ابدا الحضن الذي ساسكن فيه وانني وحيده اسيره لا اقوي علي الرحيل ولا اتحمل البقاء وان ذلك الرجل صار غربتي الموجعه وانني مثل امي لا استحق كلماته ولا وجعه ولا حصاره ولا تربصه ورآيت في عروقه النافره دماء ابي التي سممت امي قبل ذلك الوقت بعقود بعيده لكن ذلك الرجل صار ابي وصرت انا مثل امي وحلبات المصارعه التي فررت منها عادت لي وجدراني منزلي صارت قبيحه موحشة و......... ارحل اكثر واغترب اكثر واهرب بعقلي وقلبي واحاسيسي وابحث عن مكان امن اختبيء فيه من كل تلك الشرور التي لا تلبث تطاردني قدرا شرير و وصلت محطه جديده للرحيل والغربه بعد سنوات من التحمل العبثي وقودها رغبه غبيه في اصلاح مالا يمكن ابدا اصلاحه و........ وتحررت ورحلت عن الوجع والهزيمه وفررت للعالم الرحيب بعقلي حيا وقلبي نابضا واحاسيسي منتبه وتمردي لازال قويا وطفولتي مازالت شقيه و...... رحلت من الغربه الموجعه للغربه الامنه التي لا اعرف تضاريسها لكني لا اخاف منها وزادي في الرحله الجديده املا في كسر طوق الاسر الذي كان يخنق انفاسي واصرارا علي معالجه النفس من الخوف المستمر الذي يحتلها ميراثا منطقيا لكل الاغتراب الذي حاصرني والرحيل الذي لحقه و......... كرهت السفر والرحيل والعزال وتغيير الاماكن والجدران البيضاء الموحشه واحببت ولوحاتي وموسيقاي الصاخبه وشموعي الملونه وبالونات الطفوله التي لم تفلح الدنيا في قتلها و...... شيدت كوخا جميلا علي مرتفعات الامان التي عثرت عليها فوق تله الطمآنيه تحته بحار فيروزيه ساطعه ... كوخا ملونا تحاصره الطيور المغرده والفراشات الملونه والكلاب الصغيره الطيبه وتتسلق جدرانه وسقفه الزهور الملونه وملئته بالشموع المتوهجه والورود الفواحه ، كوخ ملون تشرق الشمس من يمينه ويسطع القمر من خلفه فيلقي ضياءه علي الحديقه الاماميه التي اجلس فيها سعيده راضيه مطمئنه بعد رحله من الرحيل والغربه والاغتراب الموجع ... شيدت كوخي الذي احبه وفررت من كل الوحوش التي اعترضت مسار حياتي سنوات وسنوات ..... ورحمه الله علي امي التي تقطن روحها معي في كوخ الطمآنينه الذي تضيء جنباته بريق ابتسامتها الجذابه سعيده راضيه بعد ان فررت انا وهي كل بطريقته من حلبات المصارعه ومن انياب قطانيها المتوحشين !!!!!!!

هناك 3 تعليقات:

مــها العباسى يقول...

وغربتى صحبتى بتحوم حواليا

غير معرف يقول...

الغربة جوانا وفيناوحوالينا
زى مامها قالت كده غربتى صاحبتى "الأنتيم"بتحوم حواليا

بس كمان ممكن أبقى على رأى عم صلاح
""سارح فى غربة .. بس مش مغترب""
وهو ده التحدى
إنى مهما اتغربت وحسيت الغربة محاوطانى أوى وموجودة فى وشوش اللى حواليا .. لازم أبقى متونسة بنفسى

النفس هى بر الأمان للى يتصالح معاها
""نفسى هى وطنى""
الجملة اللى فاتت دى من مأثوراتى الشخصية الخاصة جدا.. قال يعنى بقى انا دماغ وعبقرية وكده يعنى :)هههههههههههه

غير معرف يقول...

الغربة جوانا وفيناوحوالينا
زى مامها قالت كده غربتى صاحبتى "الأنتيم"بتحوم حواليا

بس كمان ممكن أبقى على رأى عم صلاح
""سارح فى غربة .. بس مش مغترب""
وهو ده التحدى
إنى مهما اتغربت وحسيت الغربة محاوطانى أوى وموجودة فى وشوش اللى حواليا .. لازم أبقى متونسة بنفسى

النفس هى بر الأمان للى يتصالح معاها
""نفسى هى وطنى""
الجملة اللى فاتت دى من مأثوراتى الشخصية الخاصة جدا.. قال يعنى بقى انا دماغ وعبقرية وكده يعنى :)هههههههههههه