منذ قرابة ثلاثين عاما ويزيد قرأت – كعادتي الاسبوعية - مقال الاديب والكاتب العظيم يوسف ادريس علي صفحات جريدة الاهرام فاذا به مقالا من نوع خاص لم نعتاده نحن مريدي ومحبي يوسف ادريس ، مقالا غير مألوف في الفاظه وموضوعه وهدفه !! مقال انفجر فيه يوسف ادريس في وجه قراءه ووجه المصريين عموما يكاد يسبهم – من شده حبه فيهم وحرصه عليهم – فجاءت كلمات المقال مريره تسمع منها صوت يوسف ادريس مجدولا بالحنق بالغضب والحزن مشوبا باليآس ، مقال ساخط وحزين - غاضب من المصريين وحزين علي ماآل عليه حالهم وجه فيه للمصريين جميعا الفاظا قاسية تكاد تفسر – لذوي النوايا السيئة – بأنها سبا في المصريين حيث لام الكاتب الكبير الشعب المصري علي قبوله العيش في ظروف معيشية مهينة وقاسية دون تذمر او غضب !! كان يوسف ادريس يصف بعض الاحياء السكنية التي يعيش فيها الناس خاضعين راضين قانعنين رغم ان مياه المجاري العطنة واكوام القاذورات والقمامة تحيط بهم وتحتل شوارعهم وطرق سيرهم ، يومها صرخ يوسف ادريس بصوت عالي غاضب هادر يلوم المصريين الذي قبلوا العيش وسط تلال القمامة يتنفسون روائحها القذرة دون تذمر او غضب ، يومها صرخ يوسف ادريس بصوت عالي غاضب يلوم المصريين الذين تحتل شوارعهم مياة المجاري العطنة الاسنة فاذا بالمصريين يتحايلون علي بحار القاذروات التي تحاصرهم ببعض قوالب الطوب يسيرون فوقها قفزا تحاشيا للغوص والغرق في المياة الخضراء الملوثة !! يومها صرخ يوسف ادريس وصرخ يحرض الناس علي الغضب ، يحرضهم علي الحكومة التي لاتكترث بامرهم ولاصحتهم ولاانسانيتهم فقبلت ان تخرج المياة العطنة من مجاريرها لتحاصر المواطنين في البيوت والقهاوي والمحلات ، صرخ يوسف ادريس يقول للناس بصوت تكاد تسمعه من وسط الكلمات مريرا غاضبا اسود اغضبوا لانسانيتكم المهدرة ، اغضبوا لعدم اكتراث الحكومه بكم ، اغضبوا لان ذباب القاذروات يقف علي وجوهكم ، لان ناموس المياة العطنة يلدع جلودكم ويشرب من دمائكم ، اغضبوا لان الحكومه تنظف الاحياء الراقية التي تعيش فيها ولاتهتم بالاحياء الشعبية التي تعيشون فيها ، واختتم يوسف ادريس مقاله بعد الغضب والغضب والغضب وبعد التحريض الذي احسه بلا طائل وبعد القسوة التي انفجرت من صدره في وجوه قراءه ، اختتم مقاله بالتشفي في الشعب الصامت القانع الراض العاجز معلنا انه يستحق كل ما يحدث فيه وكل مايلاقيه !!!!!! ومات يوسف ادريس ومرت في النهر مياه كثيره وتغيرت الدنيا للاقبح وادمن الناس عطن المجاري وطحالبها الخضراء تنبت في انوفهم بلا غضب بلا رفض باستسلام رهيب لكل مايلاقوه في الحياه ، مات يوسف ادريس ومازال صوته الهادر يدوي في اذني اتعجب كيف صمتنا وكيف قبلنا وكيف تخاذلنا واتعجب ماذا كان سيقول في هذه الايام التي تجاوز انهيارها كل مدي وتجاوز قبحها كل تحمل وتجاوز شرها كل تساهل اتعجب ماذا كان سيقول وهو الذي لم يتحمل البدايات الاولي للطوفان الرهيب الذي تطغي امواجه العاتيه الهادره علي بقايا انسانيتنا تبتلعها وتبتلعنا معها .. اتعجب ماذا كان سيقول يوسف ادريس وهو الذي لم يتحمل النبته الاولي للغابه المتوحشه التي اختطفتنا فيها ، اتعجب ماذا كان سيقول ؟؟؟؟؟ اتعجب لماذا مازلنا صامتين لا نقول ولم نقول ؟؟؟ يايوسف ياادريس ... ان الايام التي اغضبتك اجمل مليون مره مما نعيش فيه والبشر اللذين اغضبوك اكثر انسانيه من البشر الذين يعيشوا معنا !!!!!! هل ستيتقظ من موتك تسبهم وتعود ؟؟؟؟؟؟؟ ام ستتركنا في عفونتنا التي لا نستحق غيرها وتعطينا ظهرك وتصمت الي الابد ؟؟؟؟؟؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق